الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مشروعية التعليم لمن لم يعمل بما يعلمه

السؤال

هل نحن محاسبون إن كنا نفعل ‏أمورا خاطئة، ولم نبال بالسؤال هل ‏هي حرام أم حلال؟
‏ وهل يعذرنا الله في الأمور التي ‏نجهلها، ولم نتطرق إلى البحث ‏والسؤال عنها؟
وهل من الواجب علي إن كنت أعلم ‏شيئا، ولكنني لا أطبق ما أعلمه.‏
‏ هل يجوز لي، أو يجب علي أن ‏أخبر غيري، وأنصحه، علما بأنني لا ‏أريد أن أكون منافقا؛ حيث أنصح ‏الناس بشيء، وأنا لا أفعله هذا الشيء.‏
‏ هل كتم العلم في هذه الحالة جائز؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد أجبنا على السؤال الأول بالفتوى رقم: 207049

وللمزيد من الفائدة، وأقوال أهل العلم عن مسألة العذر بالجهل، انظر الفتاوى التالية أرقامها: 166799، 99307، 19084، 30284، 2242 .

وأما عن السؤال الثاني: فإن من علم شيئا، يشرع له تعليمه لغيره، حتى ولو لم يكن هو نفسه مطبقا له، وملتزما به.

ولا يجوز له كتم العلم الواجب تعليمه بسبب عدم عمله به، بل يجب عليه حمل نفسه على الأمرين معا. فيعلم الخير للناس، ويعمل به، وأن يوافق قوله فعله، وألا يخالف ما ينهى عنه، وله أسوة في العبد الصالح شعيب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، حيث قال لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {هود: 88}.

ومن لم يعمل بما يعلمه، كان معرضاً نفسه للخطر؛ فقد قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ {الصف:2-3}، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يا فلان ما لك؟ ألم تك تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف، ولا آتيه، وأنهى عن المنكر، وآتيه.

فهذا الحديث فيه وعيد شديد لمن أمر بالمعروف ولم يأته، ونهى عن المنكر وأتاه، إلا أنه مع ذلك عليه أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، إذ ليست العدالة شرطاً فيه؛ كما قال صاحب منظومة الآداب:

ولو كان ذا فسق، وجهل، وفي سوى * الذي قيل فرق بالكفاية فاحدد

قال العلامة السفاريني في غذاء الألباب شارحاً له: ( ولو كان) ذلك الشخص الآمر والناهي ( ذا) أي صاحب ( فسق) بأن فعل كبيرة ولم يتب منها، أو أصر على صغيرة، إذ ليس من شرط الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر أن يكون فاعله عدلاً في المعتمد، بل الإمام، والحاكم، والعالم، والجاهل، والعدل، والفاسق في ذلك سواء؛ كما في الآداب الكبرى. انتهى.

ولو كان لا يأمر ولا ينهى إلا من ليس به وصمة، لترك الأمر والنهي.

قال القرطبي في تفسيره: وقال مالك: عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، سمعت سعيد بن جبير يقول: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر. قال مالك: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء!. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني