الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المرتبة الأفضل في قراءة القرآن الكريم

السؤال

هل يجب تحسين الصوت بقراءة القرآن؟ أم يكتفى بالتجويد؟ وما حكم التجويد؟ أجد في نفسي خشوعاً وتدبراً عندما أقرأ بسرعة دون تحسين للصوت من غير إخلال بالكلمات، فذلك يغلق مداخل الشيطان عليّ، فأحسن الصوت تارة وأتركه تارة متبعة ما يزيدني تدبراً أكثر، فهل يصح ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتحسين الصوت بالقرآن مستحب، كما بينا في الفتوى رقم: 177585.

وفي خصوص التجويد فقد عرفه ابن الجزري ـ رحمه الله ـ حيث قال:

وَهُوَ إِعْطَاءُ الْحُرُوفِ حَقَّهَا ... مِنْ صِفَةٍ لَهَا وَمُستَحَقَّهَا
وَرَدُّ كُلِّ وَاحِدٍ لأَصْلِــــهِ ... وَاللَّفْظُ فِي نَظِيْرِهِ كَمِثْلــــــــــهِ
مُكَمِّلاً مِنْ غَيْرِ مَا تَكَلُّفِ ... بِاللُّطْفِ فِي النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّفِ
وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَرْكِهِ ... إلا رياضة امرئ بفكــــــــه. اهـ.

وتعلم أحكامه نظريا فرض كفاية، وأما تطبيق أحكامه عمليا عند التلاوة ففرض عين، جاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف في أن الاشتغال بعلم التجويد فرض كفاية، أما العمل به، فقد ذهب المتقدمون من علماء القراءات والتجويد إلى أن الأخذ بجميع أصول التجويد واجب يأثم تاركه، لقول الله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا {المزمل:4}.

وذهب البعض إلى أن الواجب منه إخراج الحروف من مخارجها، وألا يبدل حرفًا منها بآخر، وما سوى ذلك منه مستحب وليس بواجب، وراجعي تفصيل هذا في فتوانا رقم: 253360، بعنوان: حكم من تعلم أحكام التجويد ولم يطبقها عند القراءة.

وراجعي أيضا الفتوى رقم: 6682، للفائدة.

أما ما تقومين به من إسراع في القراءة مع مراعاة أحكام التجويد فهو المعروف بالحدر وهو جائز، لكنه ليس أفضل مراتب القراءة، جاء في هداية القاري إلى تجويد كلام الباري: والمراتب الثلاث في الأفضلية على النحو التالي: الترتيل، فالتدوير، فالحدر آخرها، وقد نظم هذه المراتب صاحب تذكرة القراء فقال: الحدْرُ والترتيل والتدوير ... والأوسط الأتم فالأخير. اهـ.

لكن إذا كان الإسراع في القراءة -الذي قلنا إنه مفضول- يحصل للإنسان معه التدبر والخشوع أكثر من غيره فلا شك أنه بذلك يصبح أفضل من المراتب الأخرى، لأن التدبر هو المطلب الأول من القراءة، يقول الله عز وجل: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ {ص:29}.

ويقول سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا {محمد:24}.

ولأن جمهور العلماء يفضلون التدبر والترتيل مع قلة المقروء على الإسراع مع كثرة المقروء، جاء في شرح العقيدة الواسطية للشيخ عبد الكريم الخضير: وذكرنا مراراً أن الخلاف بين أهل العلم في الأفضل: الإسراع في القراءة مع كثرة المقروء، أو التدبر والترتيل مع قلة المقروء؟ والجمهور على أن التدبر والترتيل ولو كان المقروء قليلاً أفضل من الإسراع، ولو كان المقروء كثيراً، وعند الشافعية العكس. اهـ.

وإذا كان هذا تفضيل بين التدبر والإسراع ـ الكيف والكم ـ فلا شك أن المفاضلة تنتفي عند اجتماعهما، كما في حال السائلة، والخلاصة أن القارئ يجب عليه من تجويد القرآن الكريم إخراج الحروف من مخارجها، وألا يبدل حرفا منها بآخر، ويستحب له ما زاد على ذلك من أحكام التجويد، كما يستحب له تحسين الصوت به ما أمكن دون تكلف، ويجوز له الإسراع في القراءة دون إخلال بأحكام التجويد، ومطلوب منه التدبر فيما يقرأ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني