الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم مكث الجنب في المسجد دون غسل

السؤال

أحسن الله إليكم، يقول السائل: عندما أكون معتكفا وأحتلم في منامي، فأقوم وأرى البلل، ولكن لأني متعب لا أستطيع القيام، فأكمل نومي وأؤجل الغسل إلى أن أقوم نشيطا، فهل آثم على تأخيري هذا؟ علما أنه كذلك لا أستطيع القيام للوضوء لوجود الإرهاق وغلبة النوم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجمهور العلماء على منع الجنب من اللبث في المسجد، وأجاز الحنابلة له ذلك إذا توضأ، كما سبق بيانه -مع الأدلة- في الفتوى رقم: 22059.

وعليه؛ فلا يجوز للمعتكف إذا احتلم واستيقظ من نومه أن يبقي في المسجد دون غسل أو وضوء، بل يجب عليه فور انتباهه من النوم أن يغتسل أو يتوضأ (عند من قال بجواز بقائه مع الوضوء فقط).

وقد جاء في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: ولو احتلم المعتكف لا يفسد اعتكافه؛ لأنه لا صنع له فيه، فلم يكن جماعا، ولا في معنى الجماع، ثم إن أمكنه الاغتسال في المسجد من غير أن يتلوث المسجد فلا بأس به، وإلا فيخرج فيغتسل ويعود إلى المسجد. اهـ.
وجاء في شرح أخصر المختصرات للشيخ عبد الله بن جبرين -معددا شروط الاعتكاف-: ويشترط أيضًا: الطهارة مما يوجب غسلًا، فلا يعتكف في المسجد وهو جنب، وإذا قدّر أنه احتلم خرج فورًا واغتسل. اهـ.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة: وإذا احتلم وهو نائم به -أي: المسجد- أسرع بالخروج منه حين يستيقظ ليغتسل من الجنابة. اهـ.

لكن إذا غلبه النوم ولم يستطع القيام فلا حرج في تأخيره للغسل حتى يستيقظ؛ لأن النائم مرفوع عنه القلم اتفاقًا، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يبلغ، وعن المعتوه حتى يعقل". رواه الترمذي، وأبو داود، وصححه الألباني.

وكذا إن كان التعب والإرهاق يبلغان منه مبلغًا يصل حد العجز عن الخروج من المسجد في ذلك الوقت، أو يترتب على الخروج حرج ومشقة كبيرة، فله البقاء في هذه الحال؛ قال النووي في المجموع: لو احتلم في المسجد وجب عليه الخروج منه إلا أن يعجز عن الخروج لإغلاق المسجد ونحوه أو خاف على نفسه أو ماله؛ فإن عجز أو خاف جاز أن يقيم للضرورة. اهـ.

وإن كان دون ذلك فلا يحل له البقاء كما يفهم من كلام النووي.

وقد جاء عن الحنفية ما يفهم منه أن التعب الذي لا يصل حد العجز مبيح أيضًا للبقاء في المسجد، حيث نصوا على أن المرء إن احتلم في وسط الليل فله البقاء في المسجد مع استحباب التيمم؛ جاء في البناية شرح الهداية: ولو احتلم في المسجد وأمكنه الخروج من ساعته يخرج ويغتسل، وقيل: يتيمم ويخرج، وإن لم يمكنه الخروج بأن كان في وسط الليل فيستحب له التيمم حتى لا يبقى جنبًا. اهـ.

والخلاصة: أن من احتلم في المسجد واستيقظ من نومه، عليه أن يخرج ليغتسل أو يتوضأ، فإن غلبه النوم ولم يستطع القيام، أو كان متعبًا تعبًا شديدًا لا يستطيع معه القيام في ذلك الوقت أو يشق عليه مشقة كبيرة، فله البقاء في المسجد حتى يستطيع القيام، وإن كان تعبه دون ذلك بحيث يستطيع القيام والخروج من المسجد للغسل أو الوضوء فعليه أن يبادر بالخروج من المسجد، واستثنى الحنفية من ذلك ما إذا احتلم في وسط الليل فله البقاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني