الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حجة الصديق أبي بكر التي سبقت حجة الوداع والعهد الذي تم نقضه فيها

السؤال

ما هي قصة حجة الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- التي سبقت حجة الوداع بعام؟
وما هو العهد الذي تم نقضه في القصة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أمَّره النبي صلى الله عليه وسلم على الحج سنة تسع، قبل حجته صلى الله عليه وسلم التي تسمى حجة الوداع سنة عشر، وأمره أن ينادي في الناس ألا يحج بعد هذا العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان؛ فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ"

وأما العهد الذي تم نقضه في هذه السنة، فهو كما قال الخازن في التفسير عند تفسير سورة براءة.

قال: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك، كان المنافقون يرجفون الأراجيف، وجعل المشركون ينقضون عهودا كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر الله عز وجل بنقض عهودهم، وذلك قوله سبحانه وتعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ {الأنفال:58}، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمر به، ونبذ إليهم عهودهم. اهـ.
وقد نزلت في ذلك سورة براءة، فأمرت بنبذ عهود المشركين الذين نقضوا العهد، وردها إليهم، وذلك بعد خروج أبي بكر من المدينة، فقال صلى الله عليه وسلم: لا يبلغها إلا أنا، أو رجل من أهل بيتي، فبعث بها مع عليّ. رواه أحمد والترمذي، وقال: حسن غريب. وقال الألباني: حسن الإسناد.

قال المحب الطبري: عادة العرب لم تزل جارية في نقض العهود، أن لا يتولى ذلك إلا من تولى عقدها، أو رجل من قبيلته. فكان علي -رضي الله عنه- يقرؤها على الناس في تلك الحجة.
قال ابن القيم في زاد المعاد: وَلَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ (بَرَاءَةٌ) نَزَلَتْ بِبَيَانِ حُكْمِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ كُلِّهَا... وَجَعَلَ أَهْلَ الْعَهْدِ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:

قِسْمًا أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ، وَهُم الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَهُ، وَلَمْ يَسْتَقِيمُوا لَهُ، فَحَارَبَهُمْ، وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ.

وَقِسْمًا لَهُمْ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ لَمْ يَنْقُضُوهُ، وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْهِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُتِمَّ لَهُمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ.

وَقِسْمًا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ، وَلَمْ يُحَارِبُوهُ، أَوْ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ مُطْلَقٌ، فَأُمِرَ أَنْ يُؤَجِّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا انْسَلَخَتْ قَاتَلَهُمْ، وَهِيَ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة: 2]. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني