الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في الترتيب في قضاء الصيام، وما يلزم من تأخيره

السؤال

أنا قمت بعدّ عدد الأيام التي لم أقم بقضاء الصيام عنها في السنوات السابقة بسبب الدورة الشهرية، ولكن سؤالي: هل يجب أن أنتهي من صيام كل تلك الأيام قبل قدوم رمضان القادم؟ علمًا أنني أريد صيام ما يقارب من 60 يومًا!
وإذا تركت جزءًا من هذه الأيام للسنة الجديدة (أقصد بعد رمضان القادم)، هل هذا جائز أم غير مقبول؟
وشكرًا كثيرًا لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فيجب عليك قضاء كل ما أفطرتِه من الرمضانات السابقة ورمضان الأخيرِ قبل دخول رمضان القادم؛ قال الماوردي الشافعي: إِذَا أَفْطَرَ أَيَّامًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْأَوْلَى بِهِ أَنْ يُبَادِرَ بِالْقَضَاءِ، وَذَلِكَ مُوَسَّعٌ لَهُ مَا لَمْ يَدْخُلْ رَمَضَانُ ثَانٍ، فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ ثَانٍ صَامَهُ عَنِ الْفَرْضِ، لَا عَنِ الْقَضَاءِ، فَإِذَا أَكْمَلَ صَوْمَهُ قَضَى مَا عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْظُرُ فِي حَالِهِ، فَإِنْ كَانَ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ دَامَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ غَيْرَ مَعْذُورٍ فَعَلَيْهِ مَعَ الْقَضَاءِ الْكَفَّارَةُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِمُدٍّ مِنْ طَعَامٍ، وَهُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ ... اهــ.

والترتيب في قضاء الصوم واجب كالترتيب في قضاء الصلوات، كما نصّ عليه أهل العلم، فتصومين رمضانات السابقة بالترتيب، ثم رمضان الأخير بعدها؛ قال في كشاف القناع في اشتراط الترتيب بالنية: بِنِيَّةِ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ الرَّمَضَانَاتِ (شَهْرٌ عَلَى إثْرِ شَهْرٍ) أَيْ: شَهْرًا بَعْدَ شَهْرٍ يُرَتِّبُهَا بِالنِّيَّةِ (كَالصَّلَاةِ إذَا فَاتَتْهُ). نَقَلَهُ مُهَنَّا. أَيْ: فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ وَاجِبٌ، فَكَذَا بَيْنَ الرَّمَضَانَاتِ إذَا فَاتَتْ. اهـ.

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: ويكون القضاء مرتبًا، فتصوم الأيام التي أفطرتها من الشهر الأول، ثم الثاني، وهكذا. وتطعم عن تأخير القضاء عن كل يوم إطعام مسكين، ومقداره كيلو ونصف من البرّ أو الأرز أو التمر أو غير ذلك مما يقتاته أهل البلد اهـ.

ويرى بعض الفقهاء أن الترتيب في قضاء الصيام لا يجب؛ قال في منح الجليل: وَمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَيْنِ بَدَأَ بِأَوَّلِهِمَا، وَإِنْ عَكَسَ أَجْزَأَ. اهـ.

ولا شكّ أن الأول أبرأ وأحوط، فاجتهدي في قضاء ما عليك من الستين يومًا قبل أن يدخل رمضان القادم، وقد كان الواجب عليك أن تقضي الرمضانات السابقة، كل رمضان قبل دخول الذي يليه، فإن أخّرت شيئًا من رمضان الأخير حتى دخل الذي يليه بغير عذر، فعليك مع القضاء كفارة عن كل يوم، وما أخرتِه بعذر فلا يلزمك عنه إلا القضاء، وكذلك القول في الرمضانات السابقة؛ ما أخّرت منه حتى دخل رمضان التالي بدون عذر ففيه الكفارة، وهي كفارة واحدة لا تتعدد بدخول أكثر من رمضان، وانظري الفتوى رقم: 163065، والفتوى رقم: 172047.

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني