الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفارة من زنت في نهار رمضان

السؤال

زنيت في رمضان لأول مرة في حياتي صباحًا، وتبت لربي توبة نصوحًا، وندمت ندمًا شديدًا، وأقلعت عن هذا الذنب، فما الكفارة؟ علمًا أني لا أستطيع أن أصوم، فأنا منذ سنتين مصابة بأمراض بالمعدة، والمريء، وإذا صمت أتعب تعبًا شديدًا، ولا يوجد عتق رقبة في هذا الزمن، حتى لو وجد فستكون غالية، وأنا غير متزوجة حتى يعطيني زوجي، وأهلي مقتدرون، فما الحل -جزاكم الله خيرا-؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد اقترفت جرمًا عظيمًا، وإثمًا جسيمًا، بتعمدك فعل هذه الفاحشة الموبقة، في هذا الزمن الفاضل، وبإفسادك صوم يوم من رمضان بهذه الجريمة الشنيعة، فالواجب عليك أن تتوبي توبة نصوحًا لله تبارك وتعالى مما اقترفته، ثم إن العلماء اختلفوا في لزوم كفارة الجماع في نهار رمضان للمرأة، سواء كان هذا الجماع لمن يباح وطؤها، كالزوجة، أم كان بزنى، وانظري لمعرفة هذا الخلاف الفتوى رقم: 125159، ورقم: 146593.

فعلى القول بعدم لزوم الكفارة للمرأة، فلا إشكال، ولا يجب عليك إلا التوبة، وقضاء هذا اليوم.

وعلى القول بلزومها -وهو أحوط القولين، وأبرؤهما للذمة- فعليك أن تصومي شهرين متتابعين، فإن عجزت، فعليك أن تطعمي ستين مسكينًا، لكل مسكين نصف صاع، أي: كيلو ونصف من الأرز، ونحوه تقريبًا، فإن عجزت عن الإطعام كذلك، فهل تستقر الكفارة في ذمتك، فيجب عليك التكفير متى قدرت، أو تسقط عنك الكفارة؟ في ذلك خلاف بين العلماء، والقولان في مذهب أحمد -رحمه الله- وأصحهما في المذهب سقوطها، قال شيخ الإسلام في شرح العمدة: فذكر أصحابنا هل تسقط عنه أو تبقى في ذمته؟ على روايتين: أصحهما تسقط عن ذمته؛ كما ذكره الشيخ؛ لحديث الأعرابي؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطعم العرق أهل بيته, ولم يأمره أن يقضي إذا أيسر, وكان عاجزًا؛ لأن التكفير إنما يكون بما يفضل عن حاجته, ولأنه حق مالي يجب لله على وجه الطهرة للصائم, فلم يجب على العاجز، كصدقة الفطر, بخلاف بقية الكفارات؛ فإنها تجب على وجه الطهرة في الصيام. انتهى.

ورجح هذا الشيخ ابن عثيمين، فقال -رحمه الله- في امرأة جومعت في نهار رمضان: تقول لأبيها، أو أخيها، أو أحد من الناس ممن لا منة له عليها لو أعطاها، أما من يمنّ عليها، فلا تسأله. وإذا لم تجد، فهناك مرتبة رابعة وهي: أن الكفارة تسقط، فصار عندنا الآن أربع مراتب: عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن لم تجد تسقط؛ لأن الله يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]. انتهى.

والحاصل أنك إن عجزت عن الكفارة، فلا شيء عليك، وتسقط عنك الكفارة على ما رجحه من ذكرنا من أهل العلم.

وإن أردت التكفير بعد حصول الاستطاعة لك، فهو حسن، وفيه خروج من الخلاف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني