الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وقت قراءة الملك، وأواخر البقرة وآل عمران، والقيام بعشر أو بمائة أو ألف آية

السؤال

لكم جزيل الشكر على العلم النافع الذي تنشرونه، ونحن فعلا بحاجة شديدة إلى ذلك.
إذا كانت الليلة شرعا تبدأ من غروب الشمس، فهل ما ينطبق على الليلة (مثل من يريد أن يقرأ سورة الملك في الليلة، ويقوم ب10 أو 100 أو ألف آية يمكن أن يبدأ من حينها ؟) وآخر آيتين من سورة البقرة، وآخر عشر آيات من سورة آل عمران، هل الحديثان الواردان فيهما أن من يقرؤها تكفيه، أريد شرحا للحديثين، وأريد أن أعرف هل هذا يعني قراءتهما في الليلة مطلقا (وليس بالضرورة في صلاة قيام الليل)، ويجب أن يكون ذلك بعد العشاء، وليس بعد المغرب، وإن كانت الليلة تبدأ من المغرب؟ وأصلا هل الحديث الوارد عن آخر آيتين من سورة البقرة ، يدل على أنه يشرع قراءتهما في الليل أم بالتحديد قبل النوم؟ ولأنه ما الدليل على أن آخر آيتين من سورة البقرة هما من أذكار النوم؟ فرأيتهما في أكثر من مكان مذكورتين ضمن أذكار النوم، ورأيت في مكان أن الدليل هو الحديث المذكور فيه أنه من قرأهما كفتاه، لكن هل هو يدل على أن ذلك يجب أن يكون عند النوم، وهي من أذكار النوم، فمن قرأهما بعد المغرب أو بعد العشاء لكن ليس في صلاة قيام الليل هل يعيدهما قبل النوم؟ وإن كان أصلا الحديث يدل على تخصيص قراءتهما بالنوم ، إذن لماذا آخر عشر آيات من سورة آل عمران لسن مخصصات أو مصنفات أنهن من أذكار النوم مع أن الحديث الوارد فيها أيضا مذكور فيه ما هو مشابه لحديث الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وهي أنها تلك العشر آيات من قرأها كفته أيضا؟
أم أن هناك حديثا آخر يخصص آخر آيتين من سورة البقرة أنهما من أذكار النوم؟
ومن قرأها جميعا ( العشر آيات والآيتين ) بعد المغرب أو بعد العشاء وليس في الصلاة ، هل يشرع له أن يتقصد أن يعيدها قبل النوم اعتقادا أنها من أذكار النوم أم هذه بدعة ؟
ومن قرأ سورة الملك والسجدة والإسراء والزمر بعد المغرب أو بعد العشاء، هل يشرع له أن يعيدها عند النوم إذا نام بعد العشاء بوقت طويل نسبيا ؟
ومن كان يعتقد أن قراءة العشر آيات أو المئة آية أو الألف آية يجب أن تكون في صلاة قيام الليل، ولكن صار أحيانا يترخص ويأخذ بالقول الآخر لأنه يريد أن يقرأها ويحصل على الثواب المذكور (لم يكتب من الغافلين، كتب من القانتين ، كتب من المقنطرين) أو للمرأة الحائض مثلا، أو صار في كل مرة يأخذ قولا ولا يستمر عليه، بل حسب حالته إن كان يصلي ويريد أن يقرأها في صلاة قيام الليل يأخذ بالقول أنها يجب أن تكون في صلاة الليل ، وإن كان لا يستطيع الصلاة (كالمرأة الحائض أو رجل لكن لا يريد أن يصلي قيام ليل بل يقرأ القرآن وهو في الفراش مثلا أو لا يحفظ ألف آية ويريد قراءة آخر جزئين من المصحف لأنه يريد أن يقرأ ألف آية وهو لا يحفظها ) فهل ذلك من تتبع الرخص ولا بد أن يأخذ بقول منهما ولا يغيره إلا لضرورة أو حاجة ماسة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فان قراءة الملك تستحب قبل النوم؛ لما رواه أحمد والترمذي عن جابر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ (الم تنزيل) و(تبارك الذي بيده الملك). وهو حديث صحيح صححه غير واحد من أئمة أهل العلم منهم الألباني في صحيح الجامع.

ولذلك يستحب قراءتهما قبل النوم كل ليلة لفعله صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك مقيدا بوقت النوم، فالمهم أن لا ينام الشخص في الليل قبل قراءتهما .

قا ل المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (7/ 231):
قال الطيبي: حتى غاية لا ينام، ويحتمل أن يكون المعنى إذا دخل وقت النوم لا ينام حتى يقرأهما، وأن يكون لا ينام مطلقاً حتى يقرأهما، والمعنى لم يكن من عادته النوم قبل القراءة فتقع القراءة قبل دخول وقت النوم أي وقت كان ... اهـ

واما القيام بعشر أو بمائة أو ألف آية، فالأفضل أن يكون في الليل، ويمكن فعله في النهار، واختلف في اشتراط كونها في الصلاة، فقد قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 910) :

قام به، أي أتى به، يعني: من قرأ عشر آيات في صلاته على التدبر والتأني كذا قيل، وفي الأزهار: يحتمل من قام وقرأ وإن لم يصل، وقال الطيبي، أي: أخذها بقوة وعزم، وقال ابن حجر: أي يقرؤها في ركعتين أو أكثر، وظاهر السياق أن المراد غير الفاتحة. اهـ. والأظهر أن المراد به أقل مراتب الصلاة، وهي تحصل بقراءة الفاتحة، وهي سبع آيات وثلاث آيات بعدها، فتلك عشرة كاملة... وحاصل كلام الطيبي أن الحديث مطلق غير مقيد لا بصلاة ولا بليل، فينبغي أن يحمل على أدنى مراتبه، ويدل عليه جزاء الشرطية الأولى وهي قوله: " لم يكتب من الغافلين ". اهـ

وبناء على القول بعدم اشتراط الصلاة، فيمكن للحائض قراءتها من دون صلاة، فقد رجح شيخ الإسلام مشروعية قراءة الحائض للقرآن.

ويمكن لمن لا يحفظ القرآن أن يقرأ من الملك للناس، ففي ذلك ألف آية؛ كما قال المنذري في الترغيب.

وأما أواخر سورة البقرة فليست مرتبطة بالنوم، ولكن الأفضل قراءتها بعد العشاء لورود رواية بذلك، فقد أخرج الشيخان من حديث أبي مسعود الأنصاري قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه.

وهذا الحديث مطلق، ولكنه جاء في حديث آخر أنها تقرأ بعد العشاء، ففي فتح الباري لابن حجر (9/ 56) :
وقد أخرج علي بن سعيد العسكري في ثواب القرآن حديث الباب من طريق عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن علقمة بن قيس عن عقبة بن عمرو بلفظ: من قرأهما بعد العشاء الآخرة أجزأتا (آمن الرسول) إلى آخر السورة. اهـ

وأما العشر الآواخر من آل عمران فتسن قراءتها عند الاستيقاظ من النوم، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند خالتي ميمونة، فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطرحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم في طولها، فجعل يمسح النوم عن وجهه، ثم قرأ الآيات العشر الأواخر من آل عمران حتى ختم، ثم أتى شنا معلقا فأخذه فتوضأ، ثم قام يصلي، فقمت فصنعت مثل ما صنع، ثم جئت فقمت إلى جنبه فوضع يده على رأسي ثم أخذ بأذني فجعل يفتلها، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم صلى ركعتين، ثم أوتر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني