الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترك الصلاة من النفاق العملي

السؤال

أنا إنسان أصلي، وأترك، وعلى هذه الحالة.
هل أعتبر منافقا؟
وما صحة أن لحوم العلماء مسمومة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يهدينا وإياك، وأن يجعلنا وإياك من المحافظين على الصلوات، المقيمين لها، واعلم -أصلحك الله- أن ترك الصلاة المفروضة عمدا، هو أعظم من الذنوب كلها -خلا الشرك بالله-.

قال ابن القيم: وهل تقبل هذه المسألة نزاعا -يعني: عد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها عمدا في الكبائر- وهل ذلك إلا من أعظم الكبائر، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم تفويت صلاة العصر محبطا للعمل، فأي كبيرة تقوى على إحباط العمل سوى تفويت الصلاة.

وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: الجمع بين الصلاتين من غير عذر، من الكبائر. ولم يخالفه صحابي واحد في ذلك. بل الآثار الثابتة عن الصحابة كلها توافق ذلك. هذا والجامع بين الصلاتين قد صلاهما في وقت إحداهما للعذر. فماذا نقول فيمن صلى الصبح في وقت الضحى عمدا وعدوانا، والعصر نصف الليل من غير عذر.

وقد صرح الصديق أن الله لا يقبل هذه الصلاة، ولم يخالف الصديق صحابي واحد، وقد توعد الله سبحانه بالويل والغي لمن سها عن صلاته وأضاعها, وقد قال الصحابة وهم أعلم الأمة بتفسير الآية إن ذلك تأخيرها عن وقتها.
ويا لله العجب أي كبيرة أكبر من كبيرة تحبط العمل، وتجعل الرجل بمنزلة من قد وتر أهله وماله, وإذا لم يكن تأخير صلاة النهار إلى الليل، وتأخير صلاة الليل إلى النهار من غير عذر من الكبائر، لم يكن فطر شهر رمضان من غير عذر، وصوم شوال بدله من الكبائر, ونحن نقول بل ذلك أكبر من كل كبيرة بعد الشرك بالله. ولأن يلقى الله العبد بكل ذنب ما خلا الشرك به، خير له من أن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، وصلاة الليل إلى النهار عدوانا، عمدا بلا عذر.اهـ. من كتاب الصلاة.

بل من العلماء من يرى كفر من تعمد ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها ، كما تراه في الفتوى رقم: 346180.

وراجع في خطر التفريط الصلاة، الفتوى رقم: 355606.

ولا ريب في أن التفريط في الصلاة والتهاون بها، من خصال أهل النفاق.

قال ابن باز: التهاون بالصلاة من المنكرات العظيمة، ومن صفات المنافقين؛ قال الله -عز وجل-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، وقال الله في صفتهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» متفق على صحته. اهـ. من مجموع فتاواه.

وقال ابن عثيمين: النفاق -بارك الله فيك- نوعان: نفاق اعتقادي، ونفاق عملي، فالنفاق الاعتقادي محله القلب، ولا يعلم به إلا الله، ولهذا بعض الصحابة الذين حصل منهم المخالفة، فقال عمر: [إنه نافق] فعارضه الرسول صلى الله عليه وسلم. فالنفاق الاعتقادي محله القلب، ولا يجوز أن يرمي الإنسان به أحداً من المسلمين، وأهل الولاء لله ورسوله إلا ببينة واضحة. والنفاق العملي: أن يأتي الإنسان خصلة من خصال المنافقين، فلا بأس أن تقول: هذا منافق لهذا الفعل، فإذا رأينا الرجل يحدث ويكذب؛ قلنا: هذا منافق نفاقاً عملياً في هذه المسألة، وإذا رأيناه قام إلى الصلاة وهو كسلان؛ نقول: هذا فيه خصلة من خصال المنافقين؛ لأنه أشبه بالمنافقين في قيامه إلى الصلاة على وجه الكسل، فالنفاق العملي واسع؛ فكل من وافق المنافقين في خصلة من خصالهم فإنه منافق في هذا العمل خاصة، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، هذه علامة المنافق، لكن هذه العلامات قد يقوم بها أناس من المسلمين؛ فنقول: هو منافق في هذه المسألة.اهـ.

فمن ترك بعض الصلوات عمدا فهو واقع في النفاق العملي.

ونعتذر عن إجابة السؤال الثاني؛ لأننا بيّنّا في خانة إدخال الأسئلة، أنه لا يسمح إلا بإرسال سؤال واحد فقط في المساحة المعدة لذلك، وأن الرسالة التي تحوي أكثر من سؤال، سيتم الإجابة عن السؤال الأول منها، وإهمال بقية الأسئلة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني