الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترغيب في التوبة، وفضل التائبين

السؤال

كنا في خصام في المنزل بسبب حضور بعض الأقارب الذين يؤذوننا كثيراً بالقول والفعل، ومع ذلك أبي يحسن معاملتهم، فصرخت في غضب أن لا داعي لمجيئهم، لأنهم يؤذوننا، وقلت: إن الله قال: اقطع من آذاك (أستغفر الله العظيم)، فهل أعتبر كذبت على الله؟ والله إن دموعي نزلت، وهل إذا استغفرت الله يغفر لي؟ فقد عزمت والله أن لا أكون ضد صلة الرحم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يغفر لك ويتجاوز عنك، وما ذكرته هو من القول الله بلا علم، وهو مخالف لما أمر به الشرع من صلة الرحم وإن قُطعتْ، ففي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها. أخرجه البخاري.

وفي مسند الإمام أحمد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأته فأخذت بيده فقلت: يا رسول الله؛ أخبرني بفواضل الأعمال. فقال: يا عقبة؛ صل من قطعك، وأعط من حرمك، وأعرض عمن ظلمك. حسنه الأرنؤوط.

لكن ينبغي أن تعلمي أن مغفرة الله للتائبين توبة نصوحا لا يتعاظمها ذنب، ولو كان الشرك بالله، فمن تاب صادقا، فإن ذنبه مغفور مهما كان ذلك الذنب عظيما، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: والله تعالى غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب، والذنب وإن عظم، والكفر وإن غلظ وجسم؛ فإن التوبة تمحو ذلك كله، والله سبحانه لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لمن تاب، بل يغفر الشرك وغيره للتائبين؛ كما قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}. وهذه الآية عامة مطلقة؛ لأنها للتائبين .اهـ.

والله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}، والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.

بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.

فعليك أن تحسني ظنك بالله، وأن تتضرعي إليه سبحانه أن يغفر لك ويتقبل توبتك. وراجعي حول صلة الرحم الفتويين التاليتين: 282193، 267757.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني