الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصبر ومواصلة الإحسان أم الهجر وقطع الإحسان عن المسيئ

السؤال

زوج ابنتي دائما يبحث عن أخطائي، وعند ما لا يجد أخطاء، يؤلف قصصا من خياله، ويكذب، ويخبر بها أهله، وأهله يصدقونه، ثم يواجهونني، ويعنفونني. وعندما أخبرهم بالحقيقة، لا يصدقون.
باختصار: أنا امرأة عاملة، أساعد زوج ابنتي بما ينقصه، وأعينهم على طفلين، ولكنه يريد الكثير، وأنا لا أستطيع أن أعطيه الكثير، فدائما يختلق أكاذيب عني.
بدأت مشكلتي معه عندما أخذت بنتي إلى مشفى خاص للولادة، ودفعت فاتورة الولادة، ولم أحمله أي شيء منها، وقلت لهم: هذه هديتي لكم، فغضب؛ لأنه يريد المال له وليس للمستشفى، علما أن بنتي لديها مرض مزمن، وكنت خائفة أن تلد في مشفى عادي.
هل أقاطعه، علما أنه عندما يأتي لزيارتنا، حتى إذا قلت: مساء الخير، يقول لابنتي: قالتها من غير نفس. أي تصرف مني بحسن نية، يأخذه بسوء نية، لقد تعبت جدا منه.
هل أقاطعه، وأقطع عنه المساعدة، علما أنه موظف، وراتبه قليل، لكن يكفيه لآخر الشهر؟
وما رأي الشرع فيه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن صح ما ذكرت عن هذا الرجل، فقبيح منه أن يكون تصرفه معك على هذا الحال، فالمصاهرة علاقة لها اعتبارها، وينبغي أن يسود بين الأصهار حسن العشرة، وكان هذا هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ ولأنها وشيجة امتن الله عز وجل على الناس بها فقال: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا {الفرقان:54}، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فإنه يقابل إحسانك له بالإساءة إليك، بخلاف أهل الدين والكرم؛ فإنهم يقابلون الإحسان بالإحسان، ويحفظون الجميل لمن قدم إليهم معروفا، وأكرم الأكرمين يقول في محكم كتابه: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ {الرحمن:60}.

وروى أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صنع إليكم معروفا، فكافئوه.

ولك أن تهجريه ما دمت تتأذين منه, وكذلك يجوز قطعك الصدقة عنه، والأفضل أن لا تفعلي، إلا إذا رجوت أن يكون ذلك رادعا له عن سوء تصرفه، فالصبر على أذى المسيء، ومواصلة الإحسان إليه، يرجى أن يكون سببا لصلاحه وكفه أذاه، قال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {فصلت:34}.

قال ابن كثير: ادفع بالتي هي أحسن؛ أي: من أساء إليك، فادفعه عنك بالإحسان إليه، كما قال عمر -رضي الله عنه-: ما عاقبتَ من عصى الله فيك، بمثل أن تطيع الله فيه.

وقوله: فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم؛ وهو الصديق، أي: إذا أحسنت إلى من أساء إليك، قادته تلك الحسنة إليه إلى مصافاتك، ومحبتك، والحنو عليك، حتى يصير كأنه ولي لك حميم؛ أي: قريب إليك من الشفقة عليك، والإحسان إليك. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني