الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من تاب من تحرشه بأخته وعلم أنها تلتقي بالشباب

السؤال

لقد أغواني الشيطان عندما كنت في المرحلة الثانوية، وكنت أتحرش بأختي الصغيرة التي هي في المرحلة الإعدادية جنسيًّا، وكانت تقول لي: اتقِ الله، فكنت أتركها، وعندما دخلت الجامعة تاب الله عليَّ من هذه الأفعال، والتزمت، وبدأت أحفظ القرآن، وتبت إلى الله، وإلى الآن أستغفر ربي من الأفعال التي كنت أفعلها، وتزوجت، ورزقني الله الولد، واكتشفت أن أختي تكذب علينا، وتتكلم مع الشباب على الهاتف، وتخرج معهم دون علمنا، وعندما علمت أنا ووالدتي بهذا الأمر ضربت أختي بشدة، وعندما رأينا تحسن تعاملها بعد فترة، ورأينا منها الندم على أفعالها، تركناها تذهب إلى دروسها، ثم اكتشفنا بعد فترة أنها لا تذهب إلى الدرس، وأنها تقابل بعض الشباب أيضًا، فبدأت تحكي لأمّي ما كنت أفعله معها وأنا في المرحلة الثانوية، ولا أعرف ماذا أفعل معها؛ لكي يصلح الله حالها، وماذا أفعل مع أمّي التي علمت أني كنت أتحرش بأختي من سبع سنين تقريبًا. وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يتقبل توبتك، ويعفو عن سيئاتك، فقد أحسنت بالتوبة إلى الله عز وجل من هذا الذنب العظيم، والفعل الشنيع، فأختك محرم لك، ومن شأن الشخص السويّ، وصاحب الفطرة السليمة أن يكون حاميًا لعرضه، ومدافعًا عنه، لا أن يكون المعتدي عليه؛ فهو بذلك إنما جنى على نفسه.

ولولا لطف الله تعالى ورحمته لحدث ما هو أسوأ، وأعظم نكرًا من مجرد التحرش، نعني زنى المحارم، وهو من أشد أنواع الزنى، كما بين أهل العلم، وانظر الفتوى: 2376، والفتوى: 78360.

وإن صح ما ذكرت عن أختك من أنها تخرج لتلتقي مع بعض الشباب، فقد أساءت بذلك إساءة بالغة، وسلكت مسلكًا خطيرًا، قد تكون عواقبه سيئة، فيجب مناصحتها بالحسنى، والأخذ بيدها، وعلى وليّها الحزم معها، وإن اقتضى الأمر حبْسها، ومنعها من الخروج، حبَسها؛ فهي أمانة عنده، ومسؤول عنها أمام الله عز وجل يوم القيامة.

والأولاد هم محل وصية الله عز وجل، كما في قوله: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ {النساء:11}، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره: أي: أولادكم -يا معشر الوالدين- عندكم ودائع، قد وصاكم الله عليهم؛ لتقوموا بمصالحهم الدينية، والدنيوية، فتعلمونهم، وتؤدبونهم، وتكفونهم عن المفاسد، وتأمرونهم بطاعة الله، وملازمة التقوى على الدوام، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ. فالأولاد عند والديهم موصى بهم، فإما أن يقوموا بتلك الوصية، وإما أن يضيعوها، فيستحقوا بذلك الوعيد، والعقاب. اهـ.

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته... والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته... الحديث.

ولا تنسوا الدعاء لها بأن يهديها ربها، ويرزقها سلوك سبيل الاستقامة، وكذلك السعي في تزويجها، ولتراجع الفتوى: 376744.

وإن كانت أختك قد أخبرت بما كان قد حدث منك معها من تحرشك بها، فقد أساءت أيضًا من هذه الجهة؛ إذ لا غرض شرعي صحيح يدعوها لذلك، خاصة وأنك قد تبت مما فعلت.

وإن سألت أمّك، فإن أمكنك استخدم المعاريض، فلا بأس بذلك، ففيها مندوحة عن الكذب، وإلا فما عليك إلا أن تنكر الأمر؛ تفاديًا لما قد يترتب على الإقرار من مفاسد، والإنكار وإن كان كذبًا، فإنه يباح إذا كان لا بد منه؛ دفعًا للمفاسد الأعظم، وراجع بشأن ذلك الفتوى: 56369، وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني