الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أنا مطلقة في الشهر الثاني من العدة، ولقد جاءتني دورة تدريبية من الشركة التي أعمل بها، والتي انتظرتها سنين لأحل بها أزمتي المالية، أريد الذهاب برفقة محرم ابني أو أبي، هل يمكن لي الذهاب وأنا في العدة، علما بأنها الطلقة الثانية وزوجي لا يفكر في العودة عن قراره، الرجاء الرد؟ وجزاكم الله ألف خير وبركة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالواجب على المعتدة من طلاق أو غيره لزوم بيت الزوجية حتى تنقضي عدتها ولا تخرج منه إلا لحاجة أو عذر وإلا كانت آثمة لقول الله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ {الطلاق:1}.

هذا وقد اختلف الفقهاء في جواز خروج المعتدة، وذلك باختلاف أحوالها وباختلاف الأوقات والأعذار حيث ذهب الحنفية والشافعية إلى أن المطلقة الرجعية لا يجوز لها الخروج من مسكن العدة لا ليلاً ولا نهاراً واستدلوا على ذلك بالآية السابقة، قال النووي وهو شافعي: إن كانت رجعية فهي زوجته فعليه القيام بكفايتها فلا تخرج إلا بإذنه.

قال الكاساني وهو حنفي: فإن كانت معتدة في نكاح صحيح وهي حرة مطلقة بالغة عاقلة مسلمة والحال حال الاختيار فإنها لا تخرج ليلاً ولا نهاراً سواء كان الطلاق ثلاثا أو بائناً أو رجعياً. حتى وإن أذن الزوج لها بالخروج وذلك لأن حرمة الخروج بعد الطلاق زمن العدة حق لله تعالى لا يملك الزوج إبطاله.

وخالف المالكية والحنابلة فقالوا بجواز خروج المعتدة الرجعية نهاراً لقضاء حوائجها ولكن تلزم بيتها ليلاً لأنه مظنة الفساد، قال خليل بن إسحاق المالكي: والخروج في حوائجها في طرفي النهار. قال شارحه الحطاب: يعني أن اللازم للمعتدة إنما هو المبيت في سكنها وأما ما عدا ذلك فلها الخروج في حوائجها في طرفي النهار وأحرى في وسط النهار وسواء كانت معتدة من طلاق أو وفاة ولا تبيت إلا في بيتها. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني: وللمعتدة الخروج في حوائجها نهاراً سواء كانت مطلقة أو متوفى عنها زوجها، قال جابر: طلقت خالتي ثلاثاً فخرجت تجذ نخلها فوجدها رجل فنهاها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تتصدقي منه أو تفعلي خيراً. انتهى.

هذا وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز للمعتدة الخروج لضرورة كأن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو لصوصاً أو غلاء كراء أو نحو ذلك، ويتبين مما سبق أنه لا يجوز لك السفر الذي يفضي إلى البيات خارج بيت الزوجية، وذلك لأمرين:

الأول: أنه لا ضرورة حقيقة لهذا السفر لأن وجودك في العمل وتقاضيك لراتب عليه كاف لقضاء حوائجك الضرورية.

الثاني: أنه إذا كان كثير من العلماء ينازعون في خروج المعتدة نهاراً لقضاء حوائجها داخل المدينة فمن باب أولى إقدامها على إنشاء السفر زمن العدة حتى وإن كان مع محرم، قال صاحب المبسوط: والمعتدة ممنوعة من إنشاء السفر مع زوجها كما تمنع من إنشاء السفر مع محرم. انتهى، وقال في الموسوعة الفقهية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز للمعتدة أن تنشئ سفراً قريباً كان هذا السفر أو بعيداً بل يجب عليها أن تلتزم بيت الزوجية الذي كانت فيه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني