الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يحق العذاب على من أمر بالمعروف وترك فعله

السؤال

العالم بالدين الذي ينصح الناس بالخير ولا يقوم به له عذاب شديد في الآخرة ,السؤال هو فما حكم من اهتدوا على يده من فعل الطاعات مع علمهم بحقيقة عالم الدين بعد فترة من الزمن, وان كان سيعذب في الآخرة فما حكم الحسنات والخير الكثير الذي جناه من طاعة الناس ورجوعهم إلي الله , مع العلم كيف يتساوى فعل معاصي شخص مع فعل خيرات شعب اهتدوا بسببه. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالذي يأمر بالمعروف ولا يأتيه, وينهى عن النكر ويأتيه قد جاء فيه الوعيد الشديد لقيام الحجة عليه من نفسه, ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان: ما شأنك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".

ومحل هذا الوعيد في من لم يتب من تلك المعاصي التي فعلها قبل موته ورجحت سيئاته يوم القيامة بحسناته, فإن تاب واستقام قبل موته فإن الله تعالى يتوب عليه, وإذا رجحت حسناته بسيئاته دخل الجنة بفضل الله ورحمته, فالوعيد على المعاصي لا على الأمر بالمعروف كما قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله تعالى في أضواء البيان.

وقد حمل بعض أهل العلم ذلك الوعيد في من أمر الناس بمعروف مجمع على وجوب العمل به أو نهاهم عن منكر مجمع على تحريمه, ثم خالف ذلك بفعله مستحلا له, فإنه يكفر بذلك فلا تنفعه طاعته ولا طاعة غيره ممن أمرهم بالمعروف أو نهاهم عن المنكر.

وقد بينا أنه يجب على المرء أن يأمر بالمعروف وإن كان لا يأتيه, وينهى عن المنكر وإن كان يأتيه؛ لأن فعل المعروف والأمر به واجبان فترك أحدهما لا يسقط الآخر, قال سعيد بن جبير رحمه الله: لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر أحد بمعروف ولا نهى عن منكر.

قال مالك رحمه الله: وصدق، من ذا الذي ليس فيه شيء؟

وانظر تفصيل القول في ذلك في الفتويين رقم:18468، 9329.

وأما من هداهم الله على يده بسبب دعوته فإن كان قصد بذلك وجه الله الدار الآخرة ومات وهو مسلم فله مثل أجورهم لما في أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا, ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا. وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعلي يوم خيبر : .... فوالله لأن يهدى الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حمر النعم" قال النووي في شرحه للصحيح: و من دعا إلى هدى كان له مثل أجور متابعيه .. سواء كان ذلك الهدي ..هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه, وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدبا أو غير ذلك. انتهى منه مختصرا.

فمن دعا إلى الخير ونهى عن المنكر فله أجر دعوته وسيجد ذلك يوم القيامة: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالعِبَادِ {آل عمران:30} ويوم: تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ {البقرة:281} ويوم يضع الله الموازين للقسط بين الخلائق كما قال: وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ {الأنبياء:47}

فالذي يحاسب الخلائق هو العدل اللطيف الخبير: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. فإن رجحت حسنات من دعا الناس إلى معروف ولم يأته أو نهاهم عن منكر وأتاه, فقد أفلح, وإن خفت حسناته وثقلت سيئاته لكثرة ما ارتكب من المعاصي فقد حق عليه الوعيد: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ {الأعراف:9}

وللاستزادة انظر الفتوى رقم: 28171.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني