الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية

ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية

بدأ اقتراب اللغة الألمانية من القرآن الكريم مع أول ترجمة لمعانيه إلى اللغة اللاتينية عام (1143م) في طليطلة؛ ذلك أن أحد المترجِمَين اللذَين قاما بهذه الترجمة كان الألماني هرمان دلماتا. ثم إن مارتن لوثر مصلح الكنيسة الرومانية، ومؤسس المذهب البروتستانتي كان هو السبب في ترجمة هذه المعاني من اللغة اللاتينية إلى اللغة الألمانية عام (1543م).

ثم صدرت طبعة بيبلياندر لمعاني القرآن الكريم، غير أنها كانت مشتملة على العديد من النصوص الإضافية بغرض دحض رسالة الإسلام. لقد كان طبع هذه الترجمة حدثاً تاريخيًّا على المستوى الأدبي؛ إذ إنها وفرت المادة الأولية لترجمات أخرى، مثل ترجمة أندريا أريفا بيني (1547م) إلى الإيطالية، والترجمة الألمانية لسالومون شفايغر (1616م) التي اعتمدت على الترجمة الإيطالية.

كما قام المستشرق غوستاف فلوغل عام (1834م) بترجمة لمعاني القرآن، أثارت ترجمته بلبلة كبيرة؛ بتبنيها ترقيماً للآيات مخالفاً ترقيم المصاحف المتداولة بين المسلمين. وصدرت ترجمة يوهان لانغه عام (1688م) وقد اعتمدت على الترجمة الفرنسية لأندري دو راير عام (1647م). ولم تعتمد حتى الترجمات المتأخرة، مثل ترجمة دافيد نرتر عام (1703م) وترجمة ثيودور أرنولد عام (1746م) على النص العربي، بل على الترجمة اللاتينية للودفيكو مراتتشيو عام (1698م) أو على الترجمة الإنجليزية على التوالي.

وأول ترجمة اعتمدت مباشرة على النص العربي عام (1772م) صدرت من قبل دافيد فريدرش ميغرلين، تحت عنوان (الإنجيل التركي) ثم تلتها مباشرة ترجمة فردش إيبرهارد بويزن عام (1773م). ثم جاءت ترجمة الكاهن اليهودي ليون أولمان عام (1840م) وقد طبعت هذه الترجمة مراراً، غير أن هذه الترجمة غير موثوقة؛ لعدائها السافر للإسلام. وكذلك الحال بالنسبة للترجمة التي قام بها الكاهن لازاروس غولد شمت الصادرة عام (1920م) وليس لهاتين الترجمتين أي وزن لدى دارسي الإسلام أو المسلمين الناطقين بالألمانية.

كما صدرت ترجمة لمعاني القرآن الكريم للمستشرق الألماني فريدرش ريكارت عام (1995م) وقام بمراجعة هذه الترجمة البروفسور هارغوت بويزين، ولا تزال هذه الترجمة متاحة في الأسواق.

ومن الترجمات المعاصرة الترجمة التي صدرت عام (1901م) بالاسم المستعار ماكس هننغ، والتي قام بها -على الأغلب- أستاذ الاستشراق في جامعة لينيغراد البروفسور أوغست مولر، وتعد هذه الترجمة، وعلى الرغم من مرور مائة عام على صدروها- أكثر الترجمات قبولاً لدى المسلمين الألمان. وقد عبر هننغ في مقدمته عن توجسه من مستقبل الإسلام، وملأ حواشي ترجمته بالإسرائيليات المخالفة للإسلام، ولكنه تمكن بالرغم من ذلك من المحافظة على القرب الشديد من معاني القرآن الكريم. طبعت هذه الترجمة اثنتي عشرة مرة مع تنقيح للأستاذة أناماري شمل عام (1960م) وتنقيح لـ كورت رودولف عام (1968م)، ولا تزال هذه الترجمة تحظى بأفضلية لدى المسلمين، وقد طبع هذه الترجمة الأستاذ مراد هوفمان طبعتين مختلفتين: إحداهما: بالنص الألماني فحسب. والثانية: بالنص الألماني مقابل الأصل العربي، وذلك بعد أن عمل على تنقيحها أكثر من ثلاث سنوات. وقد ألحق مراد هوفمان مع هذه الترجمة تفسيراً مختصراً مكان حواشي هننغ المخالفة للإسلام، وذلك في (744) موضعاً، وأضاف كشافاً للمصطلحات.

وقد تركت ترجمة هننغ آثاراً كبيرة في عدد من الترجمات اللاحقة، وبشكل خاص في ترجمة الأحمدية، التي اعتمدت على الترجمة الإنجليزية لـ محمد علي عام (1917م). وقد صدرت الطبعة الأولى من هذه الترجمة عام (1939م)، ثم نشرها مرزا نصير أحمد عام (1945م) وتعد هذه الترجمة جيدة من ناحية المستوى اللغوي، غير أنها غير مقبولة بسبب تعليقاتها الطائفية.

ثم جاءت ترجمة القسيس الكاثوليكي اللبناني عادل ثيودور خوري، وقد ضمنها ستين صفحة من مختارات الأحاديث النبوية، وهذا الصنيع غير مقبول في أوساط المسلمين؛ مخافة اختلاط كلام الله سبحانه بغيره من الكلام.

ومن الترجمات المعاصرة أيضاً ترجمة محمد أحمد رسول، وهو مصري يعمل إماماً بمدينة دسلدورف وكولن، وقد صدرت ترجمته تسع مرات حتى عام (2000م) محتوية على النص العربي بالإضافة إلى الترجمة الألمانية من غير أي تعليق. ويكمن ضعف هاتين الترجمتين الأخيرتين في كون اللغة الألمانية ليست هي اللغة الأم للمتَرْجِمَين المذكورَين.

ومنها ترجمة المستشرق الألماني البارز رودلف بارت، حيث عمل على إصدار ترجمة علمية للقرآن الكريم مع تفسير، إلا أن هذه الترجمة لا تكاد تقرأ؛ بسبب كثرة الإضافات والشروح التي وضعها المترجم داخل أقواس، تضم أقواساً أخرى بدلاً من وضعها في حواش سفلية، الأمر الذي أوقع القارئ غير المتخصص بحرج كبير.

إلى ما قبل سبعة عشر عاماً لم يكن في متناول المسلم الألماني سوى ترجمات غير المسلمين، إلا أن هذا الوضع قد تحول إلى الأحسن، فأصبح هناك الآن -بالإضافة إلى تنقيح الأستاذ مراد هوفمان لترجمة هننغ- خمس ترجمات إسلامية:

1- ترجمة محمد أحمد رسول، التي امتازت بالجمع بين النص العربي والنص الألماني ما يسهل مراجعة المعنى ومطابقته على الأصل. وقد حرص رسول على القرب من النص القرآني دوماً، وإن أدى ذلك إلى تصادم شديد مع اللغة الألمانية. وباختصار، فإن ترجمة رسول وإن لم تكن ترجمة حرفية، إلا أن قربها الشديد من اللفظ العربي القرآني، يجعلها في كثير من الأحيان غير مستساغة في أذن السامع الألماني.

ولتسهيل الرجوع إلى ترجمة رسول فقد أصدر المترجم معجماً بعنوان (لن تبور) مؤلفاً من (1259) صفحة، وهو يحتوي على (1612) مصطلحاً، شُرحت بنصوص كاملة من ترجمة معاني الآيات. ويعد هذا المعجم عوناً لكل باحث.

2- بدأت عشر مسلمات ألمانيات -خمس منهن من أصل ألماني، وخمس من أصل عربي- عام (1976م) عملاً مشتركاً لترجمة معاني القرآن الكريم، انتهى العمل عام (1996م)، وصدرت هذه الترجمة في خمس مجلدات، تضم (3057) صفحة. وتمتاز هذه الترجمة بالإضافة إلى لغتها الألمانية أنها تتضمن تفسيراً لآيات القرآن الكريم، أُخذ من تفاسير عبد الله يوسف علي، ومحمد أسد، وسيد قطب، وابن كثير، والمودودي، والسيوطي، وصديقي. ويؤخذ على هذه الترجمة اشتمالها على قدر كبير من الأخطاء المطبعية الفاحشة.

3- أصدر أحمد فون دنفر، مدير المركز الإسلامي في مدينة ميونيخ، ورئيس تحرير المجلة الألمانية (الإسلام) ترجمته الألمانية دون النص العربي، مع شروح مختصرة، اعتمد فيها على "تفسير الطبري" وتفسير "الجلالين". وقد التزم فون دنفر في ترجمته القرب من النص العربي التزاماً شديداً، متجاوزاً في كثير من الأحيان قواعد اللغة الألمانية؛ لذلك يمكن القول: إن فون دنفر لم يترجم معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية، بل إلى مفردات ألمانية.

واللافت للانتباه أن فون ترجم بعض الكلمات القرآنية ترجمة ابتعدت بها عن المراد منها؛ فمثلاً ترجم قوله تعالى: {الله الصمد} (الإخلاص:2) بقوله: "الله الموجود دائماً". وترجم (الكرسي) في قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض} (البقرة:255) بموضع القدمين.

وعلى الجملة، فإن هذه الترجمة تجاوزت حدود اللغة الألمانية بشكل مبالغ فيه، ما يجعلها ترجمة لا يعتد بها، ولا يرُكن إليها.

4- أصدر أمير زيدان الرئيس السابق للجماعة الإسلامية في مقاطعة هسن في ألمانيا عام (2000م) ترجمة ألمانية غريبة؛ ذلك أنه لم يترجم المصطلحات القرآنية الرئيسة إلى اللغة الألمانية، بل أثبتها بأصلها العربي مكتوبة بأحرف لاتينية، كالمصطلحات التالية: الآية، الإيمان، الدين، الحج، الحلال، الحرام، الحرمات، المشركون، المنافقون، الكافرون، الجنة، جهنم، الجن، القيامة، الرزق، الركوع، السجود، الصلاة، الخوف، الطواف، الأمة، الزبور، الزكاة...وغير ذلك كثير.

ويرجع رفض ترجمة هذه المصطلحات إلى اختصاص الإسلام بها، وعدم وجود كلمات ألمانية مكافئة لها. إلا أن سلبيات هذا المنهج، أن المسلم يمكنه قراءة ترجمة زيدان، وفهمها؛ لمعرفته بالمصطلحات الإسلامية غير المترجمة، إلا أن غير المسلم تقف أمامه هذه المصطلحات بالشكل الذي أُثبتت فيه حائلاً دون المراد الحقيقي من هذه المصطلحات.

5- قام مسلمان آخران، هما: نديم إلياس، الطبيب السعودي، ورئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وعبد الله بوبنهام الألماني بترجمتهما الخاصة لمعاني القرآن الكريم. وامتاز هذا العمل المشترك كونه اعتمد الترجمة باللغة الألمانية المتداولة.

6- عمل محمد أمان هوبوم -الذي يعد أقدم المسلمين الألمان إسلاماً، وأكبرهم سناً- ترجمة لمعاني القرآن الكريم، إلا أن تواضعه وورعه يمنعانه من طبعها ونشرها.

* اعتمدنا في تحرير هذه المقالة على كتيب بعنوان (ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الألمانية) إعداد: مراد هوفمان، وترجمة: نديم إلياس.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة