الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التعامل مع نعمة الطعام في السنة النبوية

التعامل مع نعمة الطعام في السنة النبوية

التعامل مع نعمة الطعام في السنة النبوية

حين تطالعك الأرقام الهائلة لأعداد الجوعى في العالم يصيبك الفزع، ولكن حين تطالعك إحصائيات الطعام المهدور في العالم تكون أكثر فزعا، فإن سكان العالم يهدر ثلث الغذاء الموجه للاستهلاك البشري، حسب الموقع الرسمي لمنظمة الأغذية والزراعة، وتعادل الكمية المهدورة من الغذاء العالمي حوالي مليار و300 مليون طن سنويا.

بما يدل على أن تعامل البشر مع نعمة الطعام هو الكارثة التي تسببت بالكوارث الإنسانية حول العالم، وأنهم بحاجة إلى التوعية بالطرق المثلى التي تحفظ عليهم هذه النعم، ومن ذلك التوعية الإيمانية والآداب المسلكية، وفي الهدي النبوي مُثُل عليا يمكن للبشرية الاستفادة منها للحد من مظاهر السرف وعوائد التبذير.

فمن الهدي النبوي في التعامل مع الطعام: الاعتدال والتوسط وعدم المبالغة فيه، فلم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكولا شرها، ولا متكلفا مكثرا، بل كان يأكل حاجته إن وجد، وينصح أمته بالإقلال من المأكول فضلا عن المهدور، ويقول: «ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يُقِمْن صُلْبَه، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه» أخرجه الترمذي وغيره.
وإذا كانت هذه هي النظرة النبوية للطعام، وأنه مجرد قوت يكتفى منه بما يقيم البدن، فهذا يمنع من المبالغة في التشهي والاستكثار منه بما يتجاوز هذا المقصود فضلا عن أن يُهدَر ويُتلَف.

قال ابن القيم: "وكذلك كان هديُه -صلى الله عليه وسلم- وسيرتُه في الطعام ، لا يردُّ موجوداً ، ولا يتكلف مفقوداً ، فما قُرِّبَ إليه شيءٌ من الطيبات إلا أكله ، إلا أن تعافَه نفسُه ، فيتركَه من غير تحريم ، وما عاب طعاماً قطُّ ، إن اشتهاه أكله ، وإلا تركه".

ومن الهدي النبوي في التعامل مع الطعام: البساطة المتناهية في نوعية الطعام الذي يأكله، فكان يأكل ما يجد، ويمتدح الموجود منه، ففي مسند الإمام أحمد عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم الإدام الخل، ما أقفر بيت فيه خل», وفي رواية عن أم هانئ تقول: «دخل عليّ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أعندك شيء؟ فقلت: لا، إلا خبز يابس وخلّ،.. فقال: «هات، ما أَقْفَر بيتٌ من أُدْم فيه خَلّ».
وفي البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو دعيت إلى كراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت».

ومن الهدي النبوي في الطعام: التواضع للمائدة، وترك مظاهر الترف، ومجانبة طرق المتكبرين في طعامهم، فعن أنس بن مالك قال: «ما أكل نبي الله على خوان».
قال ابن هبيرة: والخوان المائدة أو ما يقوم مقامها، وإنما السنة الأكل على السفرة لأنها أقرب إلى التواضع.
,قد ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-أنه قال: «إني لا آكل متكئا» رواه البخاري.
وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أن جبريل نهاه عن ذلك, وهذا النهي محمول على الكراهية, لأنه كان من أخلاق المتكبرين ويؤدي إلى الاستكثار من الطعام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره ذلك.
ونهى عن الأكل بآنية الذهب والفضة لما يشي ببطر وكبر فعن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: : «إن الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم» رواه مسلم.
والنهي عن الأكل بآنية الذهب والفضة؛ لأن الأكل بهما يتنافى مع التواضع لهذه النعمة، وفيه مشابهة لأحوال المترفين والمتكبرين، كما نقله القاضي عياض في إكمال المعلم.

ومن الهدي النبوي في ذلك أيضا: أن لا يتباهى الناس بالطعام، ويجعلونه سببا للتفاخر بينهم؛ لأن هذا من عادة الأعراب المذمومة، وقد ورد النهي عن مشابهتهم في ذلك:
ففي سنن أبي داود عن ابن عباس، قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب».
قال ابن الأثير: هو عقرهم الإبل، كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلا وهذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر، وكانوا يفعلونه رياء وسمعة وتفاخرا ولا يقصدون وجه الله، فشبه بما ذبح لغير الله.

ولأجل هذا ذم النبي -صلى الله عليه وسلم- حال من يبذل الطعام يخص به الأغنياء دون الفقراء؛ فهذا ينافي المقاصد الحسنة لبذل الطعام ففي مسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «شر الطعام طعام الوليمة، يمنعها من يأتيها، ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله».

قال الوزير ابن هبيرة: في الحديث دليل على أن الأطعمة تتفاوت من حيث المعاني ومقاصد أربابها، فمن صنع طعامًا ليخص به الأغنياء المستغنين عنه، متكلفًا لهم حضورهم إليه، مع تركه من هو أشد منهم حاجة فذلك منه هو خسران، فمن أعانه على هذا المقصد بإجابته إلى هذا الطعام من الأغنياء فإنه قد شاركه بحصة من سوء مقصده، ولكن إذا صنع طعامًا فحضره الأغنياء والفقراء، كانت تلك الدعوة يتعين الإجابة إليها؛ لأن الطعام أصل وضعه أن يجود به من فضل عنه على من أعوزه، فإذا قلب المعنى فيه وعكست، اختل أصل الوضع.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة