الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 496 ] قال شيخ الإسلام رحمه الله فصل قال تعالى : { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم } ذكر هذا بعد قوله : { وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون } { ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون } { أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين } ثم قال : { وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم } وقال تعالى : { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا }

                . فأخبر في هاتين الآيتين أنه لا مبدل لكلمات الله وأخبر في الأولى أنها تمت صدقا وعدلا . وقد تواتر { عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 497 ] أنه كان يستعيذ ويأمر بالاستعاذة بكلمات الله التامات وفي بعض الأحاديث التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر } . وقال تعالى : { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون } { الذين آمنوا وكانوا يتقون } { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم }

                . وقال تعالى : { ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين } فأخبر في هذه الآية أيضا أنه لا مبدل لكلمات الله ; عقب قوله : { فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا } وذلك بيان أن وعد الله الذي وعده رسله من كلماته التي لا مبدل لها لما قال في أوليائه : { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله } فإنه ذكر أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة . فوعدهم بنفي المخافة والحزن وبالبشرى في الدارين .

                وقال بعد ذلك : { ولا مبدل لكلمات الله } فكان في هذا تحقيق كلام الله الذي هو وعده . كما قال : { فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله } . وقال : { وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون } . وقال المؤمنون : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد }

                . فإخلاف ميعاده تبديل [ ص: 498 ] لكلماته - وهو سبحانه لا مبدل لكلماته . يبين ذلك قوله تعالى { لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد } { ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد } فأخبر سبحانه أنه قدم إليهم بالوعيد وقال : { ما يبدل القول لدي } وهذا يقتضي أنه صادق في وعيده أيضا وأن وعيده لا يبدل . وهذا مما احتج به القائلون بأن فساق الملة لا يخرجون من النار .

                وقد تكلمنا عليهم في غير هذا الموضع ; لكن هذه الآية تضعف جواب من يقول : إن إخلاف الوعيد جائز . فإن قوله : { ما يبدل القول لدي } بعد قوله : { وقد قدمت إليكم بالوعيد } دليل على أن وعيده لا يبدل كما لا يبدل وعده . لكن التحقيق الجمع بين نصوص الوعد والوعيد وتفسير بعضها ببعض من غير تبديل شيء منها كما يجمع بين نصوص الأمر والنهي من غير تبديل شيء منها . وقد قال تعالى : { سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله } والله أعلم .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية