الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر إلى وادي القرى ، وكان بها جماعة من [ ص: 314 ] اليهود ، وقد انضاف إليهم جماعة من العرب ، فلما نزلوا استقبلهم يهود بالرمي وهم على غير تعبئة ، فقتل مدعم عبد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال الناس : هنيئا له الجنة . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل عليه نارا ) ، فلما سمع بذلك الناس جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشراك أو شراكين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( شراك من نار أو شراكان من نار ) .

فعبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه للقتال وصفهم ودفع لواءه إلى سعد بن عبادة وراية إلى الحباب بن المنذر ، وراية إلى سهل بن حنيف ، وراية إلى عباد بن بشر ، ثم دعاهم إلى الإسلام ، وأخبرهم أنهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم ، وحسابهم على الله ، فبرز رجل منهم فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله ، ثم برز آخر فقتله ، ثم برز آخر فبرز إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقتله ، حتى قتل منهم أحد عشر رجلا ، كلما قتل منهم رجل دعا من بقي إلى الإسلام ، وكانت الصلاة تحضر ذلك اليوم ، فيصلي بأصحابه ثم يعود فيدعوهم إلى الإسلام ، وإلى الله ورسوله ، فقاتلهم حتى أمسوا وغدا عليهم فلم ترتفع الشمس قيد رمح حتى أعطوا ما بأيديهم وفتحها عنوة وغنمه الله أموالهم ، وأصابوا أثاثا ومتاعا كثيرا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي القرى أربعة أيام ، وقسم ما أصاب على أصحابه بوادي القرى ، وترك الأرض والنخل بأيدي اليهود ، وعاملهم عليها ، فلما بلغ يهود تيماء ما واطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل خيبر وفدك ووادي القرى ، صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا بأموالهم ، فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج يهود خيبر وفدك ولم يخرج أهل تيماء .

[ ص: 315 ] ووادي القرى ؛ لأنهما داخلتان في أرض الشام ويرى أن ما دون وادي القرى إلى المدينة حجاز ، وأن ما وراء ذلك من الشام ، وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا إلى المدينة .

فلما كان ببعض الطريق سار ليله حتى إذا كان ببعض الطريق أدركهم الكرى ، عرس ، وقال لبلال : "اكلأ لنا الليل " [ فصلى بلال ما قدر له ونام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ، فلما تقارب الفجر استند بلال إلى راحلته مواجه الفجر ] ، فغلبت بلالا عيناه ، وهو مستند إلى راحلته ، فلم يستيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا بلال ، ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولهم استيقاظا ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أي بلال " ؟ فقال أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، فاقتادوا رواحلهم شيئا حتى خرجوا من ذلك الوادي ، ثم قال : " هذا واد به شيطان " ، فلما جاوزه أمرهم أن ينزلوا ، وأن يتوضئوا ، ثم صلى سنة الفجر ، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة ، وصلى بالناس ، ثم انصرف إليهم ، وقد رأى من فزعهم ، وقال : " يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا ، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ، ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها " ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر فقال : " إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام " ، ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأخبره بمثل ما أخبر به أبا بكر .

وقد روي أن هذه القصة كانت في مرجعهم من الحديبية ، وروي أنها كانت [ ص: 316 ] في مرجعهم من غزوة تبوك ، وقد روى قصة النوم عن صلاة الصبح عمران بن حصين ، ولم يوقت مدتها ، ولا ذكر في أي غزوة كانت ، وكذلك رواها أبو قتادة ، كلاهما في قصة طويلة محفوظة .

وروى مالك ، عن زيد بن أسلم ، أن ذلك كان بطريق مكة ، وهذا مرسل .

وقد روى شعبة ، عن جامع بن شداد قال : سمعت عبد الرحمن بن أبي علقمة ، قال : سمعت عبد الله بن مسعود ، قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زمن الحديبية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من يكلؤنا ؟ " فقال بلال : أنا ، فذكر القصة .

لكن قد اضطربت الرواة في هذه القصة ، فقال عبد الرحمن بن مهدي ، عن شعبة ، عن جامع : إن الحارس فيها كان ابن مسعود ، وقال غندر عنه : إن الحارس كان بلالا ، واضطربت الرواية في تاريخها ، فقال المعتمر بن سليمان عن شعبة عنه : إنها كانت في غزوة تبوك ، وقال غيره عنه : إنها كانت في مرجعهم من الحديبية ، فدل على وهم وقع فيها ، ورواية الزهري عن سعيد سالمة من ذلك ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية