الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ويترتب هذا الفصل على اختلاف العلماء في قراءة المقتدي خلف الإمام ، فالمذهب عند أهل الكوفة أنه لا يقرأ في شيء من الصلوات ، وعند أهل المدينة منهم مالك رحمه الله تعالى يقرأ في صلاة الظهر والعصر ولا يقرأ في صلاة الجهر ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى يقرأ في كل صلاة إلا أن في صلاة الجهر أوان قراءة الفاتحة بعد فراغ الإمام منها ، فإن الإمام ينصت حتى يقرأ المقتدي الفاتحة ، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا صلاة إلا بقراءة } وفي حديث { عبادة بن الصامت رحمه الله تعالى قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح فلما فرغ قال : لعلكم تقرؤن خلفي ، فقلنا : نعم ، فقال : لا تقرؤن إلا بفاتحة الكتاب ، فإنه لا صلاة إلا بها ، وفي رواية لا صلاة لمن لم يقرأها } والمعنى فيه أن القراءة ركن من أركان الصلاة ، فلا تسقط بسبب الاقتداء عند الاختيار كالركوع والسجود ، بخلاف ما إذا أدرك الإمام في الركوع ; لأن تلك الحالة حالة الضرورة ، فإنه يخاف فوت الركعة بسبب الضرورة قد تسقط بعض الأركان ، ألا ترى أن القيام بعد التكبير ركن ، وقد يسقط هذا للضرورة .

( ولنا ) قوله تعالى { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون } وأكثر أهل التفسير على أن هذا خطاب للمقتدي ومنهم من حمله على حال الخطبة ولا تنافي بينهما ففيه بيان الأمر بالاستماع والإنصات في حالة الخطبة لما فيها من قراءة القرآن قال صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } وقال في الحديث المعروف ، وإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ومنع المقتدي من القراءة خلف الإمام مروي عن ثمانين نفرا من كبار الصحابة ، وقد جمع أساميهم أهل الحديث . وقال سعد بن أبي وقاص من قرأ خلف الإمام فسدت صلاته ، والمعنى فيه أن القراءة [ ص: 200 ] غير مقصودة لعينها بل للتدبر والتفكر والعمل به قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنزل القرآن ليعمل به ، فاتخذ الناس تلاوته عملا ، وحصول هذا المقصود عند قراءة الإمام وسماع القوم ، فإذا اشتغل كل واحد منهم بالقراءة لا يتم هذا المقصود ، وهذا نظير الخطبة فالمقصود منها الوعظ والتدبر ، وذلك بأن يخطب الإمام ويستمع القوم لا أن يخطب كل واحد منهم لنفسه ، دل عليه إذا أدرك الإمام في حالة الركوع ، فإن خاف فوت الركعة سقط عنه فرض القراءة ، ولو كان من الأركان في حق المقتدي لما سقط بهذا العذر كالركوع والسجود ولا يقال إن ركن القيام يسقط ، فإنه لا بد من أن يكبر قائما ، وفرض القيام يتأدى بأدنى ما يتناوله الاسم ولا حجة لهم في الحديث ، فإنه بقراءة الإمام تصير صلاة القوم بالقراءة ، كما أن بخطبة الإمام تصير صلاتهم جميعا بالخطبة ، وحديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه يحمل على أنه كان ركنا في الابتداء ، ثم منعهم عن القراءة خلفه بعد ذلك ، ألا ترى أنه لما سمع رجلا يقرأ خلفه قال مالي أنازع في القرآن . والقراءة مخالفة لسائر الأركان فما هو المقصود بها لا يحصل بفعل الإمام ، بخلاف القراءة على ما مر ، ومذهب مالك رضي الله تعالى عنه مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، فإن رجلا سأله أأقرأ خلف الإمام . ؟ فقال له : أما في الظهر والعصر فنعم .

التالي السابق


الخدمات العلمية