الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2560 [ ص: 85 ] 11 - باب: فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم

                                                                                                                                                                                                                              2707 - حدثنا إسحاق ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة" . [2891 ، 2989 - مسلم: 1009 - فتح: 5 \ 309]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "كل سلامى من الناس عليه صدقة ، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الناس صدقة " .

                                                                                                                                                                                                                              وشيخه فيه إسحاق ، وهو ابن إبراهيم ، كما ذكره أبو نعيم في "مستخرجه" وزعم أن محمدا روى عنه ، ووقع في "مختصر البخاري " للمهلب بن أبي صفرة : إسحاق بن منصور .

                                                                                                                                                                                                                              ثم اعلم أنه ليس في الحديث إلا العدل فقط ، ولكن لما خاطب الشارع الناس كلهم بالعدل بين الناس ، وقد علم أن في الناس الحكام وغيرهم ، فكان عدل الحاكم إذا حكم كعدل غيره إذا أصلح . نبه عليه ابن المنير .

                                                                                                                                                                                                                              ولمسلم عن أبي ذر مرفوعا : "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة " . . . إلى أن قال : "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" .

                                                                                                                                                                                                                              والسلامى : بضم السين : المفاصل ، وهي ثلاثمائة وستون مفصلا ،

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 86 ] كما أخرجه مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : وأكثر ما يستعملها العرب في العظام الصغار مثل : الأنامل من اليدين والرجلين ، وما يليها من عظام الكف والقدم ، وهي آخر ما يبقى فيها المخ عند الهزال وعبارة ابن الأعرابي : هي عظام الأصابع اليد والقدم . وسلامى البعير : عظام فرسنه ، وهي عظام صغار طول الأصبع أو قريب منها ، في كل يد ورجل أربع سلاميات أو ثلاث .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الجامع" : هي عظام الأصابع والأشاجع والأكارع كأنها كعاب ، والجمع السلاميات .

                                                                                                                                                                                                                              يقال : آخر ما يبقى المخ في السلامى والعين . وقيل : السلاميات فصوص على القدمين ، وهي من الإبل في داخل الأخفاف ، ومن الخيل في الحوافر . وقال الجوهري : واحده وجمعه سواء ، وربما شدده أحداث طلبة الحديث لقلة علمهم ، كما نبه عليه ابن الجوزي .

                                                                                                                                                                                                                              وقال المهلب : قوله : ("كل سلامى" ) يعني كل مفصل وعظم وإن صغر . والسلاميات : عظام مفاصل الكف ، يعني لكل واحد منهما صدقة لله من فعل الطاعات والخير كل يوم ، إذ كل موضع شعرة فما فوقها من جسد الإنسان عليه فيه نعمة لله يلزمه شكره ، والاعتراف بها حين خلقه صحيحا يتصرف في منافعه (وأداته ) ، ولم يجعل في ذلك الموضع داء يمنعه ألمه من استعماله والانتفاع به .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 87 ] ومعنى الحديث : أن عظام الإنسان هي من أصل وجوده وبها حصول منافعه ، إذ لا تتأتى الحركة والسكون إلا بها ، فهي من أعظم نعم الله -عز وجل- على الإنسان ، وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصها فيعطي صدقته ، كما أعطي منفعته ، لكن الله لطف وخفف بأن جعل العدل بين الناس وشبهه صدقة .

                                                                                                                                                                                                                              وظاهر الحديث الوجوب ، لكن الله خفف حيث جعل ما خفي من المندوبات مسقطا له .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : أن العدل بين الناس من الأعمال الزاكية عند الله المرجو قبولها ، وسميت طاعة الله من صلاة وغيرها صدقة ; لأنه كان لله أن يفترض على عباده ما شاء من الأعمال دون أجر يأجرهم عليها ، ولا ثواب فيها ، ولكن برحمته تفضل علينا بالأجر والثواب على ما فرضه علينا . فلما كان لأفعالنا أجر فكأننا نحن ابتدأنا بالعمل واستحققنا الأجر ، فشابه به الصدقة المبتدأة التي عليها الأجر لازم في فضل الله .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية