الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
267 [ 185 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا إبراهيم بن محمد، حدثني موسى بن عقبة، عن أبي الزبير أنه سمع عبد الله بن الزبير يقول: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة والفضل والثناء الحسن لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". .

التالي السابق


الشرح

أبو معبد نافذ - بالفاء والذال المعجمة - وقيل: ناقذ - بالقاف والذال المعجمة - وقيل: نافد - بالفاء والدال المهملة - والصحيح الأول وعد ما عداه تصحيفا، وهو من أهل الحجاز من موالي عبد الله ابن عباس، ويقال: إنه كان أصدق مواليه.

روى عن: ابن عباس.

وروى عنه: يحيى بن عبد الله بن صيفي، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير.

مات سنة أربع ومائة.

والحديث الأول مخرج في الصحيحين من رواية سفيان بن عيينة، وفيه أنهم كانوا يكبرون عقيب الصلاة، ويروى أن الناس كانوا [ ص: 387 ] إذا سلم الإمام من المكتوبة كبروا ثلاث تكبيرات وتهليلات، وليس التكبير معينا لعينه، ولكن المقصود ذكر الله تعالى عقيب المكتوبة يبينه الحديث الثاني؛ فإن المذكور فيه التهليل لا التكبير، وقد أخرجه مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، عن هشام، عن أبي الزبير، عن ابن الزبير، وفي الأذكار بعد المكتوبات أحاديث؛ ففي الصحيحين عن عبد الملك بن عمير من طرق عن وراد عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في دبر كل صلاة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. والجد: الغنى والحظ، أي: لا ينفع ذا الغنى غناه؛ إنما ينفعه العمل بطاعتك، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من سبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وكبر الله ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين فذلك تسعة وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير؛ غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. وفيه عن كعب بن عجرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة في دبر كل صلاة سماها معقبات لأنها تعود مرة بعد مرة، يقال: عقب إذا عمل عملا ثم عاد إليه، وفيه عن ثوبان قال: "كان رسول الله [ ص: 388 ] - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينصرف من صلاته استغفر ثلاث مرات ثم قال: [اللهم] أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام".

وعن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، وحمل هذا على غير صلاة الصبح؛ لما روي عن جابر بن سمرة في الصحيح قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الفجر جلس حتى تطلع الشمس ويشبه أن يقال إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي أحيانا بهذا الذكر وأحيانا بهذا، ولذلك اختلفت الروايات، قال الشافعي: وحيث يجلس لتنصرف النساء فلا يخلي جلوسه عن ذكر أيضا، وكأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر تارة ويسر أخرى، وعن حالة الجهر حكى ابن عباس التكبير وابن الزبير التهليل، وعن حالة السر حكت أم سلمة مجرد المكث، والله أعلم.

وقوله: بصوته الأعلى في الحديث الثاني ينبغي أن يحمل على الصوت العالي؛ فإن المبالغة في رفع الصوت منهي عنها، ومن الفوائد في رفع الصوت: تعليم من لا يعلم، وإسماع من يعلم ليتذكر ويقتدي به، ولينال بركة الاستماع.




الخدمات العلمية