الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                891 ص: وقد روي عن النبي -عليه السلام- أيضا أنه كان يقول عند الأذان ويأمر به ما قد حدثنا الربيع بن سليمان المؤذن ، قال: ثنا شعيب بن الليث ، قال: ثنا الليث ، عن الحكيم بن عبد الله بن قيس ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، عن سعد -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: " من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا؛ غفر له ذنبه" .

                                                حدثنا يونس ، قال: ثنا عبد الله بن يوسف ، قال: ثنا الليث ... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا روح بن الفرج ، قال: ثنا سعيد بن كثير بن عفير ، قال: حدثني يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله بن المغيرة ، عن الحكيم بن عبد الله بن قيس ... فذكر مثله بإسناده وزاد فيه أنه قال: "من قال حين يسمع المؤذن يتشهد" .

                                                التالي السابق


                                                ش: أشار بهذا الحديث وبالذي بعده أن الذي ينبغي أن يقال عند الأذان ينبغي أن يكون ثناء وذكرا كما أمر به النبي -عليه السلام- في الأحاديث الآتية، وقول السامع: حي على الصلاة، حي على الفلاح ليس بثناء ولا ذكر ولا دعاء، فينبغي أن لا يقول ذلك، بل يقول عوضه: لا حول ولا قوة إلا بالله كما ذكرنا.

                                                ثم إنه أخرج حديث سعد بن أبي وقاص - أحد العشرة المبشرة، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب - من ثلاث طرق صحاح:

                                                الأول: عن ربيع بن سليمان المؤذن ، عن شعيب بن الليث ، عن الليث بن سعد ، [ ص: 119 ] عن الحكيم - بضم الحاء المهملة وفتح الكاف وسكون الياء آخر الحروف - ابن عبد الله المصري ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه سعد بن أبي وقاص .

                                                وأخرجه مسلم : ثنا قتيبة ، نا ليث ، عن الحكيم بن عبد الله ، عن عامر بن سعد بن أبي قاص ، عن سعد بن أبي وقاص ، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قال حين يسمع الأذان أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا؛ غفر له ذنبه" .

                                                قال ابن رمح في روايته: "من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد" ولم يذكر قتيبة : "وأنا".

                                                وأخرجه أبو داود : عن قتيبة بن سعيد نحوه، وفي آخره: "غفر له" فقط، وليس فيه: "ذنبه".

                                                وأخرجه النسائي : عن قتيبة كذلك.

                                                وأخرجه الترمذي أيضا: عن قتيبة ، عن الليث كذلك.

                                                وأخرجه ابن ماجه : عن محمد بن رمح المصري ، عن الليث كذلك.

                                                الثاني: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن يوسف ، عن الليث بن سعد ، عن الحكيم بن عبد الله ، عن عامر بن سعد ، عن سعد ، عن النبي -عليه السلام-.

                                                وأخرجه عبد بن حميد في "مسنده": ثنا وهب بن جرير ، ثنا ليث بن سعد ، عن حكيم بن عبد الله ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال حين يسمع النداء: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده [ ص: 120 ] لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبمحمد نبيا غفر له ذنبه. فقلت: ما تقدم من ذنبه. فقال: ليس هكذا قال سعد ، قال: غفر له ذنبه" .

                                                الثالث: عن روح بن الفرج القطان ، عن سعيد بن كثير بن عفير أبي عثمان المصري ، عن يحيى بن أيوب الغافقي أبي العباس المصري ، عن عبيد الله بن المغيرة بن معقبة المصري ، عن الحكيم بن عبد الله ، عن عامر بن سعد ، عن سعد بن أبي وقاص ... إلى آخره، وزاد فيه روح بن الفرج أنه قال: "من قال حين يسمع المؤذن يتشهد: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده..." إلى آخره.

                                                قوله: "ورضيت بالله ربا" أي: قنعت به واكتفيت به ولم أطلب معه غيره.

                                                قوله: "وبالإسلام دينا" أي: رضيت بالإسلام دينا بمعنى: لم أسع في غير طريق الإسلام، ولم أسلك إلا ما يوافق شرع محمد -عليه السلام-، أو لم أتبع غير الإسلام دينا.

                                                فإن قيل: بماذا انتصب ربا ورسولا ودينا؟

                                                قلت: يجوز أن ينصبن على التمييز، وهو وإن كان الأصل فيه أن يكون فاعلا في المعنى يجوز أن يكون مفعولا أيضا نحو: وفجرنا الأرض عيونا ويجوز أن ينصبن على المفعولية لأن "رضي" إذا عدي بالباء يتعدى إلى مفعول آخر.

                                                فإن قيل: ما المراد من قوله: "دينا"؟

                                                قلت: المراد من الدين ها هنا التوحيد، وبذلك فسر صاحب "الكشاف" في قوله: تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينا بمعنى التوحيد.

                                                وأما في الحديث الصحيح عن عمر -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب... إلى آخره " . فقد أطلق رسول الله -عليه السلام- الدين على الإسلام والإيمان والإحسان بقوله: "إنه جبريل أتاكم [ ص: 121 ] ليعلمكم دينكم" وإنما علمهم هذه الثلاثة، والحاصل في هذا أن الدين تارة يطلق على الثلاثة التي سأل عنها جبريل -عليه السلام -، وتارة يطلق على الإسلام كما في قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا وبهذا يمنع قول من يقول: بين الآية والحديث معارضة؛ حيث أطلق الدين في الحديث على ثلاثة أشياء، وفي الآية على شيء واحد، واختلاف الإطلاق إما بالاشتراك أو بالحقيقة والمجاز، أو بالتواطؤ؛ ففي الحديث أطلق على مجموع الثلاثة؛ وهو أحد مدلوليه، وفي الآية أطلق على الإسلام وحده؛ وهو مسماه الآخر.

                                                فإن قيل: لم قال: بالإسلام ولم يقل: بالإيمان؟

                                                قلت: الإسلام والإيمان واحد فلا يرد السؤال، والدليل على ذلك قوله تعالى: فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين والمراد بهما آل لوط -عليه السلام -، فوصفهم تارة بأنهم مؤمنون، وتارة بأنهم مسلمون، فدل على أن الإيمان والإسلام شيء واحد .

                                                قوله: "غفر له ذنبه" جواب قوله: "من قال" أي: غفر له ذنوبه ما دون الكبائر، هكذا قالوا، ولكن اللفظ بعمومه يتناول الصغائر والكبائر، نعم يخرج عنه حق العباد لدلائل أخرى، فافهم.




                                                الخدمات العلمية