الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ( 59 ) ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ( 60 ) وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ( 61 ) )

يعني بقوله ( وامتازوا ) : تميزوا ; وهي افتعلوا ، من ماز يميز ، فعل يفعل منه : امتاز يمتاز امتيازا .

[ ص: 542 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) قال : عزلوا عن كل خير .

حدثنا أبو كريب قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ، عن إسماعيل بن رافع ، عمن حدثه ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا كان يوم القيامة أمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول : ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ) . . الآية ، إلى قوله ( هذه جهنم التي كنتم توعدون ) ( وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) فيتميز الناس ويجثون ، وهي قول الله ( وترى كل أمة ) . . . الآية " .

فتأويل الكلام إذن : وتميزوا من المؤمنين اليوم أيها الكافرون بالله ، فإنكم واردون غير موردهم ، داخلون غير مدخلهم .

وقوله ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ) وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه منه ، وهو : ثم يقال : ألم أعهد إليكم يا بني آدم ، يقول : ألم أوصكم وآمركم في الدنيا أن لا تعبدوا الشيطان فتطيعوه في معصية الله ( إنه لكم عدو مبين ) يقول : وأقول لكم : إن الشيطان لكم عدو مبين ، قد أبان لكم عداوته بامتناعه من السجود لأبيكم آدم ، حسدا منه له ، على ما كان الله أعطاه من الكرامة ، وغروره إياه ، حتى أخرجه وزوجته من الجنة .

وقوله ( وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ) يقول : وألم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كل ما سواي من الآلهة والأنداد ، وإياي فأطيعوا ، فإن إخلاص عبادتي ، وإفراد طاعتي ، ومعصية الشيطان ، هو الدين الصحيح ، والطريق المستقيم .

[ ص: 543 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية