الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1047 حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حسين بن علي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي قال قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت يقولون بليت فقال إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ) قال علي القاري : وفيه إشارة إلى أن يوم عرفة أفضل أو مساو ( فيه خلق آدم ) أي طينته ( فيه النفخة ) أي النفخة الثانية التي توصل الأبرار إلى النعم الباقية . قال الطيبي وتبعه ابن حجر المكي أي النفخة الأولى فإنها مبدأ قيام الساعة ومقدم النشأة الثانية ولا منع من الجمع كذا في المرقاة ( وفيه الصعقة ) أي الصيحة والمراد بها الصوت الهائل الذي يموت الإنسان من هوله وهي النفخة الأولى ، فالتكرار باعتبار تغاير الوصفين والأولى ما اخترناه من التغاير الحقيقي ( فأكثروا علي من الصلاة فيه ) أي في يوم الجمعة فإن الصلاة من أفضل العبادات وهي فيها أفضل من غيرها لاختصاصها بتضاعف الحسنات إلى سبعين على سائر الأوقات ولكون إشغال الوقت الأفضل بالعمل الأفضل هو الأكمل والأجمل ولكونه سيد الأيام فيصرف في خدمة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام ( فإن صلاتكم معروضة علي ) يعني على وجه القبول فيه وإلا فهي دائما تعرض عليه بواسطة الملائكة إلا عند روضته فيسمعها بحضرته ، وقد جاءت أحاديث كثيرة في فضل الصلاة يوم الجمعة وليلتها وفضيلة الإكثار منها على سيد الأبرار [ ص: 275 ] ( وقد أرمت ) جملة حالية بفتح الراء وسكون الميم وفتح التاء المخففة ، ويروى بكسر الراء أي بليت ، وقيل على البناء للمفعول من الأرم وهو الأكل أي صرت مأكولا للأرض ، وقيل أرمت بالميم المشددة والتاء الساكنة أي أرمت العظام وصارت رميما . كذا قاله التوربشتي . قال الطيبي ويروى رممت بالميمين أي صرت رميما . قيل فعلى هذا يجوز أن يكون أرمت بحذف إحدى الميمين كظلت ثم كسرت الراء لالتقاء الساكنين يعني أو فتحت بالأخفية أو بالنقلية على ما عرف في محله . قال الخطابي أصله أرممت فحذفوا إحدى الميمين وهي لغة بعض العرب ، وقال غيره هو أرمت بفتح الراء والميم المشددة وإسكان التاء أي أرمت العظام ( قال ) : أي أوس الراوي ( يقولون ) أي الصحابة أي يريدون بهذا القول ( بليت فقال ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله - عز وجل - حرم على الأرض ) أي منعها وفيه مبالغة لطيفة ( أجساد الأنبياء ) أي من أن تأكلها فإن الأنبياء في قبورهم أحياء . قال ابن حجر المكي : وما أفاده من ثبوت حياة الأنبياء حياة بها يتعبدون ويصلون في قبورهم مع استغنائهم عن الطعام والشراب كالملائكة أمر لا مرية فيه ، وقد صنف البيهقي جزءا في ذلك .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه النسائي وابن ماجه وله علة دقيقة أشار إليها البخاري وغيره وقد جمعت طرقه في جزء . وفي النيل بعد سرد الأحاديث في هذا الباب ما نصه : وهذه الأحاديث فيها مشروعية الإكثار من الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة وأنها تعرض عليه - صلى الله عليه وسلم - وأنه حي في قبره . وقد أخرج ابن ماجه بإسناد جيد أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي الدرداء إن الله - عز وجل - حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وفي رواية للطبراني ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صلاته ، قلنا : وبعد وفاتك ، قال : وبعد وفاتي إن الله - عز وجل - حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وقد ذهب جماعة من المحققين إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته ، وأن الأنبياء لا يبلون ، مع أن مطلق الإدراك كالعلم والسماع ثابت لسائر الموتى .

                                                                      وقد صح عن ابن عباس مرفوعا ما من أحد يمر على قبر أخيه المؤمن وفي رواية بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه ولابن أبي الدنيا إذا مر الرجل بقبر يعرفه فيسلم عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه رد عليه السلام وصح أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج إلى البقيع لزيارة الموتى ويسلم عليهم .

                                                                      وورد النص في كتاب الله في حق الشهداء أنهم أحياء يرزقون وأن الحياة فيهم متعلقة بالجسد فكيف بالأنبياء والمرسلين . وقد ثبت في الحديث الأنبياء أحياء في [ ص: 276 ] قبورهم رواه المنذري وصححه البيهقي . وفي صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبر انتهى .




                                                                      الخدمات العلمية