الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بطريق مكة ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة فرقد بلال ورقدوا حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس فاستيقظ القوم وقد فزعوا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال إن هذا واد به شيطان فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي ثم أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا وأن يتوضئوا وأمر بلالا أن ينادي بالصلاة أو يقيم فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ثم انصرف إليهم وقد رأى من فزعهم فقال يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حين غير هذا فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى نام ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأخبر بلال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر فقال أبو بكر أشهد أنك رسول الله

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          26 26 - ( مالك عن زيد بن أسلم أنه قال : ) مرسلا باتفاق رواة الموطأ وجاء معناه متصلا من وجوه صحاح قاله أبو عمر ( عرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بطريق مكة ) قال ابن عبد البر : لا يخالف ما في الحديث قبله لأن طريق خيبر وطريق مكة من المدينة واحد .

                                                                                                          ( ووكل بلالا أن يوقظهم للصلاة ) أي صلاة الصبح بتخفيف الكاف يقال : وكله من باب وعد بكذا إذا استكفاه إياه وصرف أمره إليه ، وبتشديدها كقوله تعالى : ملك الموت الذي وكل بكم ( سورة السجدة : الآية 11 ) . ( فرقد بلال ورقدوا ) نام وناموا قبله واستمروا راقدين ( حتى استيقظوا ) انتبهوا من نومهم .

                                                                                                          ( و ) الحال أنه ( قد طلعت عليهم الشمس فاستيقظ القوم وقد فزعوا ) أسفا على فوات وقت الصلاة لا خوفا من عدو كما زعم .

                                                                                                          ( فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يركبوا ) فقال : " ارتحلوا " ، وفي رواية : " اقتادوا " .

                                                                                                          ( حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال : إن هذا واد به شيطان ) ولمسلم عن أبي هريرة : " فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان " .

                                                                                                          قال ابن رشيق : قد علله - صلى الله عليه وسلم - بذلك ولا يعلمه إلا هو ، قال عياض : هذا أظهر الأقوال في تعليله ، وقيل : لاشتغالهم بأحوال الصلاة ، وقيل : تحرزا من العدو ، وقيل : ليستيقظ النائم وينشط الكسلان ، وقيل : لكون الوقت وقت كراهة ، ورد بقوله في الحديث السابق : حتى ضربتهم الشمس .

                                                                                                          وفي حديث عمران : حتى وجدوا حر الشمس .

                                                                                                          وللطبراني : حتى كانت الشمس في كبد السماء وذلك لا يكون حتى يذهب وقت الكراهة .

                                                                                                          وقال ابن عبد البر وتبعه [ ص: 107 ] القرطبي : أخذ بهذا بعض العلماء فقال : من انتبه من نوم عن صلاة فاتته في حضر فليتحول عن موضعه وإن كان واديا فليخرج عنه ، وقيل : هو خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا يعلم من حال ذلك الوادي ولا غيره ذلك إلا هو .

                                                                                                          وقال غيرهما : يؤخذ منه أن من حصلت له غفلة في مكان عن عبادة استحب له التحول منه ، ومنه أمر الناعس في سماع الخطبة يوم الجمعة بالتحول من مكان إلى مكان آخر .

                                                                                                          وروي عن ابن وهب وغيره أن تأخير قضاء الفائتة منسوخ بقوله تعالى : وأقم الصلاة لذكري ( سورة طه : الآية 14 ) وفيه نظر لأن الآية مكية والحديث مدني فكيف ينسخ المتقدم المتأخر ؟ ( فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي ) فساروا غير بعيد .

                                                                                                          ( ثم أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزلوا وأن يتوضئوا ) وفي مسلم وابن إسحاق : ثم توضأ - صلى الله عليه وسلم - وتوضأ الناس .

                                                                                                          ( وأمر بلالا أن ينادي ) يؤذن ( بالصلاة أو يقيم ) بالشك ( فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس ) الصبح ( ثم انصرف ) التفت ( إليهم وقد رأى من ) أي بعض ( فزعهم ) أسفا على خروج الوقت .

                                                                                                          ( فقال : ) مؤنسا لهم بأنه لا حرج عليهم في ذلك لأنهم لم يتعمدوه ، كما آنسهم قبل الارتحال لما شكوا إليه الذي أصابهم فقال : " لا ضير أو لا يضير " .

                                                                                                          وفي مستخرج أبي نعيم : " لا يسوء ولا يضير " .

                                                                                                          وفي حديث أبي قتادة عند مسلم : وركب - صلى الله عليه وسلم - وركبنا معه فجعل بعضنا يهمس إلى بعض : ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا ؟ فقال : " أما لكم في أسوة ؟ إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى " .

                                                                                                          ( يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ) زاد أبو داود من حديث ذي مخبر : ثم ردها إلينا فصلينا .

                                                                                                          وله من حديث أنس : إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد يقبضها ويرسلها إذا شاء .

                                                                                                          ( ولو شاء لردها إلينا في حين ) وقت ( غير هذا ) قال العز بن عبد السلام : في كل جسد روحان : روح اليقظة التي أجرى الله العادة أنها إذا كانت في الجسد كان الإنسان مستيقظا فإذا نام خرجت منه ورأت الروح المنامات ، وروح الحياة التي أجرى الله العادة أنها إذا كانت في الجسد فهو حي فإذا فارقته مات فإذا رجعت إليه حيي ، وهاتان الروحان في باطن الجسد لا يعلم مقرهما إلا من أطلعه الله على ذلك فهما كجنينين في بطن امرأة واحدة ، قال : ولا يبعد عندي أن تكون الروح في القلب ، ويدل على وجود روحي الحياة واليقظة قوله تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت ( سورة الزمر : الآية 42 ) تقديره : ويتوفى الأنفس التي لم تمت أجسادها في منامها ، فيمسك [ ص: 108 ] الأنفس التي قضى عليها الموت عنده ولا يرسلها إلى أجسادها ويرسل الأنفس الأخرى وهي أنفس اليقظة إلى أجسادها إلى انقضاء أجل مسمى وهو أجل الموت ، فحينئذ يقبض أرواح الحياة وأرواح اليقظة جميعا من الأجساد .

                                                                                                          ( فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع ) قام ( إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها ) قال - صلى الله عليه وسلم - : " لو أن الله أراد أن لا تناموا عنها لم تناموا ولكن أراد أن تكون لمن بعدكم فهكذا لمن نام أو نسي " رواه أحمد عن ابن مسعود .

                                                                                                          وله عن ابن عباس موقوفا : " ما يسرني بها الدنيا وما فيها " يعني الرخصة ، ولابن أبي شيبة عن مسروق : " ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد طلوع الشمس " ( ثم التفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر ) الصديق عبد الله بن عثمان خير الناس بعد الأنبياء بإجماع والمقدم على جميع الصحابة بلا دفاع ، مناقبه جمة ( فقال : إن الشيطان أتى بلالا وهو قائم يصلي ) نفلا بالسحر ( فأضجعه فلم يزل يهديه ) قال ابن عبد البر : أهل الحديث يروون هذه اللفظة بلا همز وأصلها عند أهل اللغة الهمز ، وقال في المطالع : هو بالهمز أي يسكنه وينومه من هدأت الصبي إذا وضعت يدك عليه لينام ، ورواه المهلب بلا همز على التسهيل ، ويقال أيضا : يهدنه بالنون ، وروي : يهدهده من هدهدت الأم ولدها لينام أي حركته .

                                                                                                          ( كما يهدى الصبي حتى نام ) بلال ( ثم دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلالا فأخبر بلال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل الذي أخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر ) وفيه تأنيس لبلال واعتذار عنه وأنه ليس باختياره .

                                                                                                          ( فقال أبو بكر : أشهد أنك رسول الله ) لما شاهد من المعجزة الباهرة وهي إخباره بما صنع الشيطان ببلال .




                                                                                                          الخدمات العلمية