الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5303 - وعن سعد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له " . رواه أحمد ، والترمذي وقال : هذا حديث غريب .

التالي السابق


5303 - ( وعن سعد ) أي : ابن أبي وقاص ( قال : قال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - : " من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له " ) أي : ومن سعادة ابن آدم استخارة الله ثم رضاه بما حكم به وقدره وقضاه كما يدل عليه مقابلته بقوله : ( " ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله " ) أي : طلب الخيرة منه ، فإنه يختار له ما هو خير له ، ولذا قال بعض العارفين : اترك الاختيار وإن كنت لا بد أن تختار أن لا تختار : وربك يخلق ما يشاء ويختار وقد قال تعالى : وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم . ( " ومن شقاوة ابن آدم سخطه " ) أي : غضبه وعدم رضاه ( " بما قضى الله له " ) : فالرضا بالقضاء باب الله الأعظم ، وهو من بين منازل السائرين موسوم بالمقام الأفخم ، ثم تقديم الاستخارة ; لأنه سبب للرضا ، ولأنها توجد قبل تحقق القضاء . قال الطيبي - رحمه الله - : أي الرضا بقضاء الله وهو ترك السخط علامة سعادته ، وبها جعله علامة سعادة العبد لأمرين : أحدهما : ليتفرغ للعبادة لأنه إذا لم يرض بالقضاء يكون مهموما أبدا مشغول القلب بحدوث الحوادث ويقول : لم كان كذا ولم يكن كذا ، والثاني لئلا يتعرض لغضب الله تعالى بسخطه ، وسخط العبد أن يذكر غير ما قضى الله له ، قال : إنه أصلح وأولى فيما لا يستيقن فساده وصلاحه .

فإن قلت : ما موقع قوله " ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله " بين المتقابلين ؟ قلت : موقعه بين القرينتين لدفع توهم من يترك الاستخارة ، ويفوض أمره بالكلية ، انتهى .

وفيه أن الاستخارة والتفويض مآلهما واحد ، وكذا اكتفى بالاستخارة في القرينتين في رواية على ما يأتي ، ثم شك أن التسليم المطلق أولى من الاستخارة ; لأنها نوع طلب وإرادة وضيق منازعة في أمر قد تحقق ، هذا وحقيقة الاستخارة هي أن يطلب الخير من الله في جميع أمره ، بل وأن يعتقد أن الإنسان لا يعلم خيره من شره ، كما قال تعالى : وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ثم يترقى بأن يرى أن لا يقع في الكون غير الخير ، ولذلك ورد : الخير بيديك والشر ليس إليك ، ثم المستحب دعاء الاستخارة بعد تحقق المشاورة في الأمر المهم من الأمور الدينية والدنيوية وأقله أن يقول : اللهم خر لي واختر لي ولا تكلني إلى اختياري ، والأكمل أن يصلي ركعتين من غير الفريضة ، ثم يدعو بالدعاء المشهور في السنة على ما قدمناه في كتاب الصلاة . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وقال : هذا حديث غريب ) . تمامه ، ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن حميد ، وليس هو بالقوي عند أهل الحديث . ورواه الحاكم في صحيحه وزاد فيه : من سعادة ابن آدم استخارته الله ومن شقاوته تركه استخارة الله . رواه الحاكم والترمذي .

قال ميرك : " كلاهما من حديث سعد بن أبي وقاص ، وقال الترمذي : غريب ولفظه : من سعادة ابن آدم كثرة استخارته الله تعالى ورضاه بما قضى الله تعالى له ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله تعالى وسخطه بما قضى الله تعالى له . وفي الجامع : أسند الحديث إلى الترمذي والحاكم عن سعد ، لكن لفظه : من سعادة ابن آدم استخارته الله تعالى ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله ، ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله . فهذا وما قبله مما يدل على أن لفظ المشكاة وقع فيه اختصار مخل ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

وروى الطبراني في الأوسط ، عن أنس مرفوعا : " ما خاب من استخار ، ولا ندم من استشار ، ولا عال من اقتصد " . وقال بعض الحكماء : من أعطي أربعا لم يمنع أربعا : من أعطي الشكر لم يمنع المزيد ، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول ، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخير ، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب .

[ ص: 3327 ]



الخدمات العلمية