الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
379 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عشر من الفطرة : قص الشارب ، وإعفاء اللحية ، والسواك ، واستنشاق الماء ، وقص الأظفار ، وغسل البراجم ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وانتقاص الماء ) - يعني الاستنجاء - قال الراوي : ونسيت العاشر إلا أن تكون المضمضة . رواه مسلم .

التالي السابق


379 - ( وعن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " عشر من الفطرة " : أي : عشر خصال من سنة الأنبياء الذين أمرنا أن نقتدي بهم ، فكأنا فطرنا عليها كذا نقل عن أكثر العلماء ، وهذه هي المراد من قوله تعالى : وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات . وقال بعضهم : هي السنة التي فطر إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - على التدين بها ، أو فطر الناس عليها وركب في عقولهم استحسانها ، وهذا أظهر أو من توابع الدين ، والفطرة الدين ، والمضاف محذوف ، قيل : وهذا أوجه ، قال تعالى : فطرة الله التي فطر الناس عليها أي : دين الله الذي اختاره لأول مفطور من البشر ، وقيل : أي من سنة الأنبياء الذين أمر نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم باتباعهم والاقتداء بهم : فبهداهم اقتده أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وهذا يرجع إلى القول الأول " قص الشارب " : قال ابن حجر : فيسن إحفاؤه حتى تبدو حمرة الشفة العليا ، ولا يحفيه من أصله ، والأمر بإحفائه محمول على ما ذكر ، وخرج بقصه حلقه فهو مكروه ، وقيل حرام لأنه مثلة ، وقيل سنة لرواية به حملت على الإحفاء بالمعنى المذكور " وإعفاء اللحية " . قال التوربشتي : أي توفيرها يقال : عفا النبت إذا كثر وأعفوته أنا وأعفيته لغتان ، وقص اللحية من صنع الأعاجم وهو اليوم شعار كثير من المشركين كالإفرنج والهنود ، ومن لا خلاق له في الدين من الطائفة القلندرية . وقال ابن الملك : وأما الأخذ من أطراف اللحية طولها أو عرضها للتناسب فحسن ، لكن المختار أن لا يأخذ منها شيئا إلا إذا نبتت اللحية للمرأة فيستحب لها حلقها " والسواك " قيل : لا يسن في المسجد إذا خشي تطاير شيء من الريق أو نحوه إليه ، ثم السواك سنة بالاتفاق وقال داود : واجب ، وزاد إسحاق فقال : إن تركه عامدا بطلت صلاته " واستنشاق الماء " : وهو كالمضمصة الآتية سنتان في الوضوء فرضان في الغسل عندنا وسنتان عند الشافعي ، وقال أحمد ومالك في رواية بوجوبهما " وقص الأظفار " : أي : تقليمها وتحصل سنيتها بأي كيفية كانت ، وأولاها أن يبدأ في اليدين بمسبحة اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ثم الإبهام ، ثم خنصر اليد اليسرى ثم بنصرها ثم وسطاها ثم مسبحتها ثم إبهامها وفي الرجلين بخنصر اليمنى ويختم بخنصر اليسرى " وغسل البراجم " بفتح الباء وكسر الجيم أي العقد التي على ظهر مفاصل الأصابع ، والذي في بواطنها رواجب بالجيم والموحدة ، كذا قاله ابن العراقي . وقال التوربشتي : البراجم مفاصل الأصابع اللاتي بين الأساجع ، والرواجب والرواجي المفاصل التي تلي الأنامل وبعدها البراجم وبعدها [ ص: 397 ] الأساجع كذا نقله الأبهري . والظاهر أن المراد غسل جميع عقدها من مفاصلها ومعاطفها " ونتف الإبط " بالسكون ويكسر أي : قلع شعره بحذف المضاف ، وعلم منه أن حلقه ليس بسنة ، وقيل : النتف أفضل لمن قوي عليه " وحلق العانة " قال ابن الملك : لو أزال شعرها بغير الحلق لا يكون على وجه السنة ، وفيه أن إزالته قد تكون بالنورة وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام استعمل النورة على ما ذكره السيوطي في رسالته ، نعم لو أزالها بالمقص مثلا لا يكون آتيا بالسنة على وجه الكمال ، والله أعلم .

قال الأبهري : ولا يترك حلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب والأظفار أكثر من أربعين يوما لما روى مسلم من حديث أنس : وقت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة قال ابن حجر : وحلق العانة ولو للمرأة كما اقتضاه الإطلاق ، بل حديث : وتستحد المغيبة ظاهر فيه ، لكن قيده كثيرون بالرجل ، وقالوا الأولى للمرأة النتف لأنه أنظف وأبعد لنفرة الحليل من بقايا أثر الحلق ، ولأن شهوة المرأة أضعاف شهوة الرجل إذ جاء أن لها تسعا وتسعين جزءا منها وللرجل جزء واحد والنتف يضعفها والحلق يقويها فأمر كل منهما بما هو الأنسب به " وانتقاص الماء " : بالقاف والصاد المهملة هو الصحيح وقيل معناه انتقاص البول بالماء باستعمال الماء في غسل المذاكير وقطعه ليرتد البول بردع الماء ، ولو لم يغسل لنزل منه شيء فشيء فيعسر الاستبراء والاستنجاء ، فالماء على الأول المستنجى به ، وعلى الثاني البول فالمصدر مضاف إلى المفعول وإن أريد به الماء المغسول به ، فالإضافة إلى الفاعل أي وانتقاص الماء البول ، وانتقص لازم ومتعد واللزوم أكثر ، وقيل : هو تصحيف ، والصحيح وانتفاض بالفاء والضاد المعجمة والمهملة أيضا وهو الانتضاح بالماء على الذكر ، وهذا أقرب لأن في كتاب أبي داود : والانتضاح ولم يذكر انتقاص الماء قاله زين العرب نقله السيد ( يعني الاستنجاء ) وهنا تفسير الراوي قيل : هو وكيع ، والتفسير السابق قول أبي عبيد ( قال الراوي ) : ذكر الأبهري أن مسلما وأصحاب السنن ذكروا أن مصعبا هو الذي نسي العاشرة وفي رواية لمسلم : إن الذي نسيها زكريا بن أبي زائدة ، وقال إلا أن يحتمل أن يكون مصعبا ، ويحتمل أن يكون الراوي عنه ( ونسيت ) : وفي نسخة : بالتشديد والبناء للمفعول ( العاشرة إلا أن تكون ) : أي العاشرة ( المضمضة ) قال الطيبي استثناء مفرغ ونسيت مؤول باسم أتذكر أي : لم أتذكر العاشرة فيما أظن شيئا إلا أن يكون مضمضة . وقال ابن حجر : ضمن نسي معنى النفي لأن الترك موجود في ضمن كل أي : لم أتذكر شيئا يتم الخصال به عشرة إلا أن يكون مضمضة اهـ . وهو توضيح كلام الطيبي . قال ابن الملك : لأن المضمضة والاستنشاق يذكران معا ( رواه مسلم ) .

( وفي رواية : الختان ) : وهو قطع الجلدة الزائدة من الذكر ( بدل ) : بالنصب ( إعفاء اللحية ) : برفع " إعفاء " على الحكاية ، وقيل بالجر على الإضافة . قال النووي : في بعضها خلاف في وجوبه كالختان والمضمضة والاستنشاق ، ولا يمنع اقتران الواجب بغيره كما في قوله تعالى : كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه فإن الإيتاء واجب والأكل مباح ، فالختان واجب عند الشافعي وكثير من العلماء على الرجال والنساء ، وسنة عند مالك وأكثر العلماء ، فالتقليم سنة ، ويستحب أن يبدأ بمسبحة يده اليمنى ثم الوسطى ثم البنصر ثم الخنصر ، ثم خنصر اليسرى إلى إبهامها ثم بخنصر الرجل اليمنى فيتم بخنصر اليسرى ، ونتف الإبط سنة ، ويحصل أيضا بالحلق والنورة ، وقص الشارب سنة ، ويستحب أن يبدأ بالأيمن ولو ولى غيره بقصه جاز من غير هتك مروءة ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة . قلت : في الإبط نظر ثم رأيت ابن حجر قال : والأولى فيه أن لا يفوضه لغيره اهـ .

وفي رواية : " الختان " بدل : " إعفاء اللحية " . لم أجد هذه الرواية في " الصحيحين " ولا في كتاب " الحميدي " ، ولكن ذكرها صاحب " الجامع " وكذا الخطابي في " معالم السنن " . وهذا في نتفه ، وأما حلقه فلا يتصور غير التفويض ، وقد جوزوا حلقه من غير حرمة وهتك مروءة فالظاهر أن نتفه كذلك لأنه لا يظهر الفرق . قال النووي : والمختار أن يقص الشارب حتى تبدو الشفة ولا يحفيه من أصله ، ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام " أحفوا الشارب " أحفوا [ ص: 398 ] ما طال على الشفتين وغسل البراجم وهي عقد الأصابع ومعاطفها وهي بفتح الباء جمع برجمة بضم الباء والجيم سنة ليست مختصة بالوضوء ، ويلحق بها ما يجمع من الوسخ في معاطف الأذن وقعر الصماخ وما يجتمع في داخل الأنف ، وكذا جميع الوسخ على البدن ( لم أجد هذه الرواية ) : أي : التي رواها صاحب المصابيح في كتابه ( في الصحيحين ، ولا في كتاب الحميدي ) : أي : الذي هو الجمع بينهما ( ولكن ذكرها ) : أي : هذه الرواية ( صاحب الجامع ) : أي للأصول وهو ابن الأثير ( وكذا ) : أي ذكرها ( الخطابي في معالم السنن ) : الذي شرح به سنن أبي داود .




الخدمات العلمية