الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 410 - 411 ] ( وبدن الحرة كلها عورة ، إلا وجهها وكفيها ) لقوله عليه الصلاة والسلام { المرأة عورة مستورة }واستثناء العضوين للابتلاء بإبدائهما .

                                                                                                        قال رضي الله عنه : وهذا تنصيص على أن القدم عورة ، ويروى أنها ليست بعورة وهو الأصح . [ ص: 412 ] ( فإن صلت وربع ساقها أو ثلثه مكشوف تعيد الصلاة ) عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله( وإن كان أقل من الربع لا تعيد ، وقال أبو يوسف رحمه الله : لا تعيد إن كان أقل من النصف ) لأن الشيء إنما يوصف بالكثرة إذا كان ما يقابله أقل منه ، إذ هما من أسماء المقابلة ( وفي النصف عنه روايتان ) فاعتبر الخروج عن حد القلة أو عدم الدخول في ضده ، ولهما أن الربع يحكي حكاية الكمال كما في مسح الرأس والحلق في الإحرام ، ومن رأى وجه غيره يخبر عن رؤيته وإن لم ير إلا أحد جوانبه الأربعة .

                                                                                                        ( والشعر والبطن والفخذ كذلك ) يعني على هذا الاختلاف ، لأن كل [ ص: 413 ] واحد عضو على حدة ، والمراد به النازل من الرأس ، هو الصحيح ، وإنما وضع غسله في الجنابة لمكان الحرج ، والعورة الغليظة على هذا الاختلاف ، والذكر يعتبر بانفراده ، وكذا الأنثيان ، وهذا هو الصحيح دون الضم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث الرابع } :

                                                                                                        قال عليه السلام : { المرأة عورة مستورة } ، قلت : أخرجه الترمذي في " آخر الرضاع " عن همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عن عوف بن مالك عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان }انتهى . وقال : حديث حسن صحيح غريب انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع السادس والستين ، من القسم الثالث عن ابن خزيمة بسنده إلى مورق ، وأخرجه أيضا عن سليمان التيمي عن قتادة عن أبي الأحوص به ، وزاد : { وأنها لا تكون إلى الله تعالى أقرب منها في قعر بيتها }انتهى . وبالسندين أيضا رواه البزار في " مسنده " ولفظ : " مستورة " لم أجده عند أحد منهم ، والله أعلم .

                                                                                                        وفي الباب حديث : أخرجه أبو داود في " سننه كتاب اللباس " عن خالد بن دريك عن عائشة { أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا ، وهذا وأشار إلى وجهه وكفه }انتهى . قال أبو داود : هذا مرسل .

                                                                                                        [ ص: 412 ] خالد بن دريك لم يدرك عائشة . قال ابن القطان : ومع هذا فخالد مجهول الحال ، قال المنذري : وفيه أيضا سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن البصري نزيل دمشق مولى بني نضر ، تكلم فيه غير واحد ، وقال ابن عدي في " الكامل " : هذا حديث لا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير ، وقال فيه مرة : عن خالد بن دريك عن أم سلمة ، بدل : عائشة انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " المراسيل " عن قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : { إن الجارية إذا حاضت لم تصلح أن يرى منها إلا وجهها ويداها إلى المفصل }انتهى .

                                                                                                        وأخرج البيهقي عن عقبة الأصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة في قوله تعالى: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها }. قالت : ما ظهر منها : الوجه والكفان ، انتهى . قال الشيخ في " الإمام " : وعقبة الأصم تكلم فيه ، واستدل الشيخ في " الإمام " على أن الصغير ليس له عورة بحديث رواه الطبراني في " معجمه الكبير " أخبرنا الحسن بن علي عن خالد بن يزيد عن جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرج ما بين فخذي الحسن ، وقبل زبيبته ، }انتهى . وسكت عنه .

                                                                                                        حديث استدل به من جعل قدمي المرأة عورة أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن [ ص: 413 ] بن عبد الله بن دينار عن محمد بن زيد بن مهاجر عن أمه عن { أم سلمة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن تصلي المرأة في درع وخمار ليس لها إزار . قال : إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها }انتهى . رواه الحاكم في " المستدرك " وقال : إنه على شرط البخاري ، قال ابن الجوزي في " التحقيق " : وهذا الحديث فيه مقال ، وهو أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار ضعفه يحيى .

                                                                                                        وقال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به ، والظاهر أنه غلط في رفع هذا الحديث ، فإن أبا داود أخرجه أيضا من طريق مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة الحديث ، ولم يرفعه ، قال أبو داود : هكذا رواه مالك . وابن أبي ذئب ، وبكر بن مضر ، وحفص بن غياث وإسماعيل بن جعفر . ومحمد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة من قولها : لم يذكر أحد منهم النبي صلى الله عليه وسلم وسئل الدارقطني في " العلل " عن هذا الحديث ، فقال يرويه محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن أمه عن أم سلمة ، واختلف عنه في رفعه ، فرواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتابعه هشام بن سعد ، وخالفه ابن وهب ، فرواه عن هشام بن سعد موقوفا ، وكذلك رواه مالك ، وابن أبي ذئب ، وابن لهيعة ، وأبو غسان محمد بن مطرف ، وإسماعيل بن جعفر ، والدراوردي عن محمد بن زيد عن أمه عن أم سلمة موقوفا ، وهو الصواب ، قال صاحب " التنقيح " : وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار روى له البخاري في " صحيحه " ووثقه بعضهم ، لكنه غلط في رفع هذا الحديث ، والله أعلم انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية