الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 159 ] قال : ( ونوافل النهار إن شاء صلى بتسليمة ركعتين وإن شاء أربعا ، وتكره الزيادة على ذلك ، وأما نافلة الليل ، قال أبو حنيفة رحمه الله : إن صلى ثمان ركعات بتسليمة جاز ، وتكره الزيادة على ذلك ، وقالا : لا يزيد بالليل على ركعتين بتسليمة ) وفي الجامع الصغير لم يذكر الثماني في صلاة الليل ، ودليل الكراهة أنه عليه الصلاة والسلام لم يزد على ذلك ، ولولا الكراهة لزاد تعليما للجواز . والأفضل في الليل عند أبي يوسف ومحمد رضي الله عنهما مثنى مثنى ، وفي النهار أربع أربع . [ ص: 160 ] وعند الشافعي رحمه الله فيهما مثنى مثنى ، وعند أبي حنيفة فيهما أربع أربع ، للشافعي رحمه الله قوله عليه الصلاة والسلام { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }ولهما الاعتبار بالتراويح . [ ص: 161 ]

                                                                                                        [ ص: 162 ] ولأبي حنيفة رحمه الله { أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بعد العشاء أربعا }روته عائشة رضي الله عنها. [ ص: 163 ] { وكان عليه الصلاة والسلام يواظب على الأربع في الضحى } ، ولأنه أدوم تحريمة فيكون أكثر مشقة وأزيد فضيلة ، ولهذا لو نذر أن يصلي أربعا بتسليمة لا يخرج عنه بتسليمتين ، وعلى القلب يخرج ، والتراويح تؤدى بجماعة فيراعى فيها جهة التيسير ، ومعنى ما رواه شفعا لا وترا ، والله أعلم .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع بعد المائة : روي { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزد على ثمان ركعات بتسليمة واحدة } ، قلت : غريب ، وفي " صحيح مسلم " خلافه ، أخرجه من حديث عائشة في حديث طويل . قالت : { كنا نعد له سواكه وطهوره ، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ، ويتوضأ ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ، ويحمده ، ويدعوه ، ثم ينهض ، ولا يسلم ، ثم يقوم ، فيصلي التاسعة ، ثم [ ص: 160 ] يقعد ، فيذكر الله تعالى ، ويحمده ، ويدعوه ، ثم يسلم تسليما ، يسمعنا } ، مختصر . وهو في غير مسلم ، { كان يوتر بتسع ركعات }.

                                                                                                        الحديث العاشر بعد المائة : قال عليه السلام ، { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى } ، قلت : روي من حديث ابن عمر ، ومن حديث عائشة ، ومن حديث أبي هريرة أما حديث ابن عمر : فأخرجه أصحاب السنن الأربعة عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن علي بن عبد الله الأزدي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }. انتهى .

                                                                                                        وسكت عنه الترمذي ، إلا أنه قال : اختلف أصحاب شعبة فيه ، فرفعه بعضهم ، ووقفه بعضهم ، ورواه الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه صلاة النهار انتهى .

                                                                                                        وقال النسائي : هذا الحديث عندي خطأ ، وقال في " سننه الكبرى " : إسناده جيد ، إلا أن جماعة من أصحاب ابن عمر خالفوا الأزدي فيه ، فلم يذكروا فيه النهار : منهم سالم ونافع وطاوس ، ثم ساق رواية الثلاثة . انتهى .

                                                                                                        والحديث في " الصحيحين " من حديث جماعة عن ابن عمر ليس فيه ذكر النهار ، ورواه ابن خزيمة ، ثم ابن حبان في " صحيحيهما " ، ذكره ابن حبان في ثلاثة مواضع من " صحيحه " : أحدها : في النوع السابع والستين ، من القسم الأول ، محتجا به في حديث : { من صلى الجمعة ، فليصل بعدها أربعا ، إنها في تسليمتين } ، ثم أورد على نفسه ما أخرجه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان منكم مصليا يوم الجمعة ، فليصل أربعا ، فإن كان له شغل ، فركعتين في المسجد ، وركعتين في بيته } ، ثم أجاب بأن قوله : { فإن كان له شغل }إلى آخره ، مدرج من كلام الراوي ، ثم ساقه من طريق آخر ، ففصله من الحديث ، وأسند البيهقي في " المعرفة " عن أبي أحمد بن فارس ، قال : سئل أبو عبد الله البخاري عن حديث يعلى بن عطاء هذا ، صحيح هو ؟ فقال : نعم انتهى .

                                                                                                        [ ص: 161 ] طريق آخر : أخرجه الطبراني في " معجمه الأوسط والصغير " عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني ثنا عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر ، مرفوعا ، نحوه ، وقال : لم يروه عن العمري إلا الحنيني انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " عن إسحاق الحنيني عن مالك عن نافع به ، وقال : تفرد به الحنيني عن مالك انتهى . طريق آخر : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ليث بن سعد عن عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن عبد الله بن أبي سلمة عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }انتهى . طريق آخر : رواه الحاكم أبو عبد الله في " كتابه في علوم الحديث " : حدثنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمدان ثنا أبو حاتم الرازي ثنا نصر بن علي ثنا أبي عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }. انتهى . وقال : رجاله ثقات ، إلا أن فيه علة ، يطول بذكرها الكلام . انتهى .

                                                                                                        وأما حديث عائشة ، فأخرجه الحافظ أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " عن أبي هاشم ، محبوب بن مسعود ، البصري ، البجلي ثنا عمار بن عطية عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث : أبي هريرة ، فرواه إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " حدثنا نصر بن علي ثنا أبي عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صلاة الليل والنهار مثنى مثنى }انتهى .

                                                                                                        وللشافعي أيضا في أن الأفضل في التطوع أن يسلم من كل ركعتين ، ما أخرجاه في " الصحيحين " عن نافع عن ابن عمر ، قال : { قال رجل : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تأمرنا أن نصلي من الليل ؟ قال : يصلي أحدكم مثنى مثنى ، فإذا خشي الصبح صلى واحدة ، فأوترت له ما صلى من الليل }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الترمذي والنسائي عن ابن المبارك ثنا الليث بن سعد ثنا عبد ربه بن سعيد عن عمران بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع عن ربيعة بن الحارث عن [ ص: 162 ] الفضل بن العباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الصلاة مثنى مثنى ، تشهد في كل ركعتين }. انتهى .

                                                                                                        وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن شعبة ، قال : سمعت عبد ربه بن سعيد يحدث عن أنس بن أبي أنس عن عبد الله بن نافع بن العمياء عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ، فذكره ، ونقل الترمذي عن البخاري أن شعبة أخطأ في سند هذا الحديث في مواضع ، وحديث الليث أصح من حديث شعبة . انتهى .

                                                                                                        الحديث الحادي عشر بعد المائة : روت عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العشاء أربعا } ، قلت : قال شيخنا علاء الدين مقلدا لغيره : هذا الحديث لم أجده ، وهذا من أعجب العجاب ، فقد رواه أبو داود في " سننه " من حديث زرارة بن أوفى { عن عائشة أنها سئلت عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف الليل ، فقالت : كان يصلي صلاة العشاء في جماعة ، ثم يرجع إلى أهله ، فيركع أربع ركعات ، ثم يأوي إلى فراشه } ، الحديث بطوله ، وفي آخره : { حتى قبض على ذلك }.

                                                                                                        قال أبو داود : في سماع زرارة من عائشة نظر ، ثم أخرجه عن زرارة عن سعد بن هشام عن عائشة ، قال : وهذه الرواية هي المحفوظة عندي ، فإن أبا حاتم الرازي ، قال : سمع زرارة من أبي هريرة وابن عباس وعمران بن حصين ، وهذا ما صح له ، فظاهر هذا أن زرارة لم يسمع من عائشة ، والله أعلم .

                                                                                                        وأخرجه أبو داود والنسائي في " سننه الكبرى " عن { شريح بن هانئ عن عائشة ، قال : سألتها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط ، فدخل علي ، إلا صلى بعدها أربع ركعات ، أو ستا } ، وسكت عنه .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أحمد في " مسنده " حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي عن عبد الرحمن بن أبي الموالي أخبرني نافع بن ثابت عن عبد الله بن الزبير ، قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات ، وأوتر بسجدة ، ثم نام ، حتى صلى [ ص: 163 ] بعدها صلاته من الليل }. انتهى . وكذلك رواه البزار في " مسنده " .

                                                                                                        والطبراني في " معجمه " ، قال البزار : لا نعلم أحدا يرويه بهذا اللفظ إلا ابن الزبير ، ولا نعلم له طريقا أحسن من هذه الطريق . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه البخاري في " صحيحه " لكن ليس فيه كان المقتضية للدوام ، فلذلك أخرناه ، أخرجه في " كتاب العلم في باب السمر في العلم " عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : { بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث ، زوج النبي ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندها في ليلتها ، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم جاء إلى منزله ، فصلى أربع ركعات ، ثم نام ، ثم قام ، فصلى خمس ركعات ، ثم صلى ركعتين ، ثم خرج إلى الصلاة }.

                                                                                                        حديث عن عائشة مخالف لحديثها المتقدم : أخرجه مسلم عن عبد الله بن شقيق عنها . قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا ، ثم يخرج ، فيصلي بالناس ، ثم يدخل ، فيصلي ركعتين ، وكان يصلي بالناس المغرب ، ثم يدخل ، فيصلي ركعتين ، ويصلي بالناس العشاء ، ويدخل بيتي ، فيصلي ركعتين }. انتهى .

                                                                                                        الحديث الثاني عشر بعد المائة : روي { أنه عليه السلام كان يواظب على الأربع في الضحى }. قلت : رواه مسلم في " صحيحه " من حديث معاذة ، أنها { سألت عائشة ، كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : أربع ركعات ، ويزيد ما شاء الله }. انتهى .

                                                                                                        وفي رواية : { ويزيد ما شاء }. انتهى . ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا شيبان بن فروخ ثنا طيب بن سلمان ، قال : قالت عمرة : سمعت أم المومنين عائشة [ ص: 164 ] تقول : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربع ركعات ، لا يفصل بينهن بكلام }. انتهى .

                                                                                                        وتكلم الناس في الجمع بين هذا ، وما أخرجه البخاري عن عروة عن عائشة ، قالت : { إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل ، وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ، وما سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبحة الضحى قط ، وإني لأسبحها }انتهى .

                                                                                                        وما أخرجه مسلم عن عبد الله بن شقيق ، قال : قال { سألت عائشة ، هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى ؟ قالت : لا ، إلا أن يجيء من مغيبه }. انتهى .

                                                                                                        فقال المنذري في " حواشيه " : يحتمل أنها أخبرت في الإنكار عن رؤيتها ومشاهدتها ، وفي الآخر بغير المشاهدة ، إما من خبره عليه السلام ، أو خبر غيره عنه . وقد يكون إنكارها ، أي مواظبا عليها ، ومعلنا بها ، وقد يكون الإنكار إنما هو لصلاة الضحى المعهودة عند الناس ، على الذي اختاره جماعة من السلف ، من صلاتها ثمان ركعات ، { وأنه عليه السلام كان يصليها أربعا } ، ويزيد ما شاء ، فيصليها مرة أربعا ، ومرة ستا ، ومرة ثمانية ، وأقلها ركعتان ، وقد رأى جماعة أن تصلى في وقت دون وقت ; ليخالف بينها ، وبين الفرائض . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية