الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فروع ثمانية :

                                                                                                                الأول : قال في الكتاب : الحائض ، والجنب لا تنقض شعرها في غسلها ، ولكن تضغثه خلافا لابن حنبل في الحائض ، واللخمي فيهما لحديث أم سلمة أنها سألته عليه السلام في حل ضفر شعر رأسها في الجنابة ، فقال : إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ، ثم تفيضي عليك الماء ، فتطهرين .

                                                                                                                الثاني : إذا كان على ذكر الجنب نجاسة ، فغسله بنية الجنابة ، وإزالة النجاسة . قال صاحب الطراز : الأظهر الإجزاء ، وقيل : لا يجزئ حتى يغسله بنية الجنابة فقط .

                                                                                                                [ ص: 314 ] الثالث : في الجلاب : الجنب طاهر الجسد ، والعرق ؛ لما في مسلم أنه عليه السلام لقيه أبو هريرة في طريق من طرق المدينة ، وهو جنب ، فانسل ، فذهب ، فاغتسل ، فتفقده عليه السلام ، فلما جاء قال : ( أين كنت يا أبا هريرة قال : يا رسول الله لقيتني ، وأنا جنب ، فكرهت أن أجالسك حتى أغتسل ، فقال عليه السلام : سبحان الله إن المؤمن لا ينجس ) .

                                                                                                                الرابع : قال في الكتاب : لا يجوز عبوره ، ولبثه في المسجد خلافا لداود ، والمزني فيهما ، والشافعي في العبور ؛ لما في أبي داود أنه عليه السلام قال : ( وجهوا هذه البيوت عن المسجد ، فإني لا أحل المسجد لجنب ، ولا حائض ) .

                                                                                                                حجة الشافعي قوله تعالى : ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) فاستثناء السبيل يدل على أن المستثنى منه بقاع ، فيكون تقدير الآية : لا تقربوا مواضع الصلاة .

                                                                                                                جوابه : أن الأصل عدم الإضمار بل المراد الصلاة نفسها ، نهينا عن قربانها سكارى ، وجنبا إلا في السفر ، فإنا نقربها جنبا بالتيمم ، وخص السفر بالذكر لعدم الماء فيه غالبا ، وهذا تفسير علي بن أبي طالب ، والأول لزيد بن أسلم رضي الله عنهما .

                                                                                                                حجة الثالث : قوله عليه السلام : ( إن المؤمن لا ينجس ) ، ونحن نقول بموجبه ، ولا تنافي بين عدم تنجسه ، ومنعه من المسجد كالقراءة .

                                                                                                                إذا تقرر هذا ، فلا فرق بين مسجد بيت الإنسان ، وغيره قاله مالك في الواضحة . قال صاحب الطراز : ولا فرق بين المؤجر ، والمستأجر ، وإن كان يرجع بعد انقضاء الإجارة حانوتا .

                                                                                                                الخامس : قال صاحب الطراز : وهو مرتب إذا احتاج لينام في المسجد لعدم غيره ، فإنه يتيمم ، وكذلك كل ما يمنع منه الجنب يباح له بالتيمم إذا عدم [ ص: 315 ] الماء ، وإذا احتلم في المسجد قال : يخرج من غير تيمم ، وفي النوادر عن بعض الأصحاب ينبغي أن يتيمم .

                                                                                                                حجتنا : أنه عليه الصلاة والسلام ذكر أنه جنب ، فخرج من غير تيمم ، ولأن اشتغاله بالتيمم لبث مع الجنابة .

                                                                                                                السادس : قال مالك : لا يدخل الكافر المسجد خلافا ش ح زاد في الجواهر : وإن أذن له المسلم ، ومنعه الشافعي في المسجد الحرام ، ويشترط بعض الأصحاب في غير المسجد الحرام إذن المسلم في دخوله .

                                                                                                                حجتنا : قوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ) ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام ) وبالقياس على الجنب بطريق الأولى ، وأما ربطه عليه السلام ثمامة بن أثال في المسجد ، فذلك كان في صدر الإسلام ، وهو منسوخ بما ذكرناه .

                                                                                                                السابع : قال في الكتاب : إذا صلى ناسيا للجنابة ، ثم ذكرها بعد خروجه إلى السوق يرجع ، ولا يتمادى لغرضه ، ويغتسل ، ويصلي . قال صاحب الطراز : وهو محمول على ضيق وقت الصلاة ، أو على قضائها ، فإن القضاء واجب عند الذكر لقوله تعالى : ( وأقم الصلاة لذكري ) .

                                                                                                                الثامن : في الطراز : يفارق الجنب الحائض في جواز قراءة القرآن ظاهرا ، ومس المصحف للقراءة على المشهور في الحائض لحاجة التعليم ، وخوف النسيان .

                                                                                                                قال صاحب الطراز : يقرأ الآية ، ونحوها على وجه التعوذ ، ولا يعد قارئا ، ولا له ثواب القراءة .

                                                                                                                تنبيه : حمل القرآن على قسمين : أحدهما لا يذكر إلا قرآنا كقوله تعالى : [ ص: 316 ] ( كذبت قوم لوط المرسلين ) فيحرم على الجنب قراءته لأنه صريح في القرآن ، ولا تعوذ فيه ، وثانيهما : هو تعوذ كالمعوذتين ، فتجوز قراءتهما لضرورة دفع مفسدة المتعوذ منه .

                                                                                                                والأصل في المنع حديث الترمذي قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تقرأ الحائض ، ولا الجنب شيئا من القرآن ) والمتعوذ لا يعد قارئا ، وكذلك المبسمل ، والحامد ، فبقي ما عدا هذه الصور على المنع .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية