الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                النوع السابع : الفطرة

                                                                                                                في " الجواهر " : ما يفعله الإنسان في رأسه وجسده ، وهي خصال الفطرة ، خمس في الرأس : المضمضة ، والاستنشاق ، وقص إطار الشارب ، وحلقه مثله ، وإعفاء اللحية إلا أن تطول جدا فله الأخذ منها ، وفرق الشعر ، وخمس في الجسد : حلق العانة ، ونتف الإبطين ، وتقليم الأظافر ، والاستنجاء ، والختان ، وهو سنة في الرجال مكرمة في النساء ، ويستحب ختان الصبي إذا أمر بالصلاة من السبع إلى العشر ، ويكره أن يختن في السابع ; لأنها عادة اليهود ، فإن خاف الكبير على نفسه التلف رخص له ابن عبد الحكم في تركه ، وأبى ذلك سحنون ، واختلف فيمن ولد مختونا ، فقيل : كفته مؤنته ، وقيل : يجرى الموسى عليه ، وإن كان فيها ما يقطع قطع .

                                                                                                                وبقاء شعر الرأس زينة ، وحلقه بدعة ; لأنها شعار الخوارج ، ويجوز أن يتخذ جمة ، وهي ما أحاط بمنابت الشعر ، ووفرة ، وهو أن يقطع ما زاد على ذلك حتى يبلغ شحمة أذنيه ، ويجوز أن يكون أطول من ذلك ، ففي الصحيح كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قص شعره بلغ به شحمة أذنيه ، فإذا تركه قارب منكبيه ، وكان شعره فوق الجمة ودون الوفرة ، ويكره القزع أن يحلق البعض ويترك البعض تشبها بقزع السحاب ، وقال أبو عبيدة : يتخصص القزع بتعدد مواضع الحلق حتى تتعدد مواضع الشعر فتحصل المشابهة ، وكذلك قال مالك : القزع أن يترك شعرا متفرقا في رأسه ، وفي " المقدمات " ، و " الجلاب " ، و " ابن يونس " : ( ورد في الحديث : أحفوا الشارب ) ، وقصوا الشارب فيكون القص مبينا للإحفاء ، وكان ابن القاسم يكره أن يؤخذ من [ ص: 279 ] أعلاه ، وتترك اللحية لما في بعض الأخبار : " إن لله ملائكة يقولون : سبحان من زين بني آدم باللحى ، وماعدا ذلك نظافة ، وجاءت به الآثار .

                                                                                                                والختان سنة إبراهيم - عليه السلام - هو أول من اختتن ، قيل : وهو ابن ثمانين ، وقيل : مائة وعشرين ، وعاش بعده ثمانين ، روي الأمران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعن ابن عباس لا تؤكل ذبيحة الأغلف ، ولا تقبل صلاته ، وترد شهادته ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : لا يحج البيت حتى يختتن وفي " الموطأ " قال عليه السلام : خمس من الفطرة ، قال في " المنتقى " : الفطرة الدين ، أي : من الدين ، كقوله تعالى : ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ، ومنه قوله عليه السلام : كل مولود يولد على الفطرة .

                                                                                                                قلت : قال بعض العلماء : حمل الفطرة على التهيؤ أحسن ، أي : خلق الإنسان على حالة لو خلي وإياها لكان موحدا ، وإنما العوائد تمنع ، ووجه الترجيح : أن القضاء على أولاد الكفار بأحكام الكفر من الاسترقاق ، وغيره مع حصول الإيمان الفعلى خلاف القواعد ، وأيضا فإنا نقطع أن الطفل يتعذر في مجاري العادات أنه عارف بالله تعالى ، فلا يمكن أن يكون ولد على الفطرة إلا بمعنى التهيؤ والقبول .

                                                                                                                قال في " المنتقى " : وقص الشارب عند مالك حتى يبدو طرف الشفة ، وليس لقص الشارب ، والأظفار حد إذا انقضى أعاد ، بل إذا طال ، وكذلك شعر الرأس ، ووافق ( ح ) مالكا في أن الختان سنة ; لأنه عليه السلام قرنه بقص الشارب ، ونتف الإبط ، فقال في " الموطأ " : خمس من الفطرة : تقليم الأظافر ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، والاختتان . ولا خلاف أن هذه ليست واجبة ، ولأنه قطع جزء من الجسد كقص الظفر ، وقال ( ش ) : واجب ، وهو مقتضى قول سحنون لقوله تعالى : ( أن اتبع ملة إبراهيم ) قال ابن عباس ، وقوله تعالى ( [ ص: 280 ] وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) هي الفطرة ، خمس في الرأس ، وخمس في الجسد ، وهي ما تقدمت ، وقال عليه السلام لرجل أسلم : " ألق عنك شعر الكفر واختتن " . والأمر للوجوب ، وقال عليه السلام : ما تقدمت . وقال عليه السلام : لأم عطية ، وكانت تختن النساء في المدينة : " أشمي ، ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه ، وأحظى عند الزوج " . أي : يحسن وجهها بلونه بظهور الدم ، وجماعها بهيئته ، ولأنه قطع عضو مأذون فكان واجبا كقطع السرقة ، أو لأنه قطع يؤلم فلا يقطع إلا واجبا كاليد في السرقة ، ولأن الولي لو قطع العزلة أو أجنبي ، فمات الصبي لم يضمناها ، ولو لم يكن واجبا لضمناها .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن المراد بالملة أصل الشريعة دون فروعها للمخالفة في الفروع في كثير من الصور .

                                                                                                                والجواب عن الثاني : أن إلقاء الشعر ليس بواجب ، فكذلك الختان .

                                                                                                                والجواب عن الثالث : أن أمره عليه السلام لأم عطية إنما كان لبيان الهيئة لا لبيان الوجوب .

                                                                                                                والجواب عن الرابع : يبطل بالفصاد ، فإنه لو مات منه لم يضمن ، ثم المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء " ، أو لأنه قطع مؤلم فلا يجب كالسرة عند الولادة .

                                                                                                                والجواب عن الخامس : أن المداوة تكشف لها العورة وليست بواجبة ، وفي " المنتقى " عن مالك : من ترك الختان من غير عذر لم تجز إمامته ، ولا شهادته ; لأنه ترك المروءة ، وهي تقدح فيهما ، وتأخيره في الصبي بعد الإثغار أحب لمالك ; لأنه عبادة ، فتؤخر لوقت الأمر بالعبادات حتى يمكن أن يؤخر الصبي بقصد ذلك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية