الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        باب الجمع بين الصلاتين

                                                                                                                                                                        يجوز الجمع بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء ، تقديما في وقت الأولى ، أو تأخيرا في وقت الثانية ، في السفر الطويل . ولا يجوز في القصير على [ ص: 396 ] الأظهر . والأفضل للسائر في وقت الأولى أن يؤخرها إلى الثانية ، وللنازل في وقتها تقديم الثانية . ولا يجوز الجمع في سفر المعصية ، ولا جمع الصبح إلى غيرها ، ولا العصر إلى المغرب . وأما الحجاج من أهل الآفاق فيجمعون بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر ، وبين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء ، وذلك الجمع بسبب السفر على المذهب الصحيح . وقيل : بسبب النسك . فإن قلنا بالأول ، ففي جمع المكي القولان ، لأن سفره قصير ، ولا يجمع العرفي بعرفة ، ولا المزدلفي بمزدلفة ، لأنه وطنه . وهل يجمع كل واحد منهما بالبقعة الأخرى ، فيه القولان كالمكي . وإن قلنا بالثاني ، جاز الجمع لجميعهم . ومن الأصحاب يقول : في جمع المكي قولان . الجديد : منعه . والقديم : جوازه . وعلى القديم في العرفي والمزدلفي وجهان . والمذهب : منع جميعهم على الإطلاق . وحكم الجمع في البقعتين حكمه في سائر الأسفار . ويتخير في التقديم والتأخير ، والاختيار : التقديم بعرفة والتأخير بمزدلفة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا جمع المسافر في وقت الأولى ، اشترط ثلاثة أمور . أحدها : الترتيب فيبدأ بالأولى . فلو بدأ بالثانية لم يصح . وتجب إعادتها بعد الأولى . ولو بدأ بالأولى ثم صلى الثانية فبان فساد الأولى ، فالثانية فاسدة أيضا .

                                                                                                                                                                        الأمر الثاني : نية الجمع . والمذهب أنها تشترط . ويكفي حصولها عند الإحرام بالأولى أو في أثنائها أو مع التحلل منها ، ولا يكفي بعد التحلل . ولنا قول شاذ : أنها تشترط عند الإحرام بالأولى ، ووجه : أنها تجوز في أثنائها ولا [ ص: 397 ] تجوز مع التحلل ، ووجه : أنها تجوز بعد التحلل قبل الإحرام بالثانية . وهو قول خرجه المزني للشافعي . ووجه آخر لأصحابنا ، وهو مذهب المزني : أن نية الجمع لا تشترط أصلا .

                                                                                                                                                                        قلت : قال الدارمي : لو نوى الجمع ، ثم نوى تركه في أثناء الأولى ، ثم نوى الجمع ثانيا ، ففيه القولان . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الأمر الثالث : الموالاة . والصحيح المشهور اشتراطها . وقال الإصطخري وأبو علي الثقفي : يجوز الجمع وإن طال الفصل بين الصلاتين ما لم يخرج وقت الأولى . وحكى عن نصه في ( الأم ) : أنه إذا صلى المغرب في بيته بنية الجمع ، وأتى المسجد فصلى العشاء جاز . والمعروف : اشتراط الموالاة ، فلا يجوز الفصل الطويل ولا يضر اليسير . قال الصيدلاني : حد أصحابنا اليسير بقدر الإقامة . والأصح ما قاله العراقيون : أن الرجوع في الفصل إلى العادة . وقد تقتضي العادة احتمال زيادة على قدر الإقامة ، ويدل عليه أن جمهور الأصحاب ، جوزوا الجمع بين الصلاتين بالتيمم ، وقالوا : لا يضر الفصل بينهما بالطلب والتيمم لكن يخفف الطلب . ومنع أبو إسحاق المروزي جمع المتيمم للفصل بالطلب . ومتى طال الفصل امتنع ضم الثانية إلى الأولى ، ويتعين تأخيرها إلى وقتها ، سواء طال بعذر كالسهو والإغماء أو بغيره . ولو جمع فتذكر بعد فراغه منهما أنه ترك ركنا من الأولى ، بطلتا جميعا ، وله إعادتهما جامعا . ولو تذكر تركه من الثانية ، فإن قرب الفصل تدارك ومضت الصلاتان على الصحة . وإن طال بطلت الثانية وتعذر الجمع لطول الفصل بالثانية الباطلة ، فيعيدها في وقتها . فلو لم يدر أنه ترك من الأولى أم من الثانية لزمه إعادتهما لاحتمال الترك من الأولى . ولا يجوز الجمع على المشهور . وفي قول شاذ : يجوز كما لو أقيمت جمعتان في بلد ، ولم يعلم السابقة منهما ، يجوز إعادة الجمعة في قول . هذا كله إذا جمع في وقت الأولى ، فلو جمع في وقت الثانية لم يشترط الترتيب ولا الموالاة ولا نية الجمع حال الصلاة على الصحيح . وتشترط [ ص: 398 ] الثلاثة على الثاني ، فعلى الاشتراط لو أخل بواحد منها صارت الأولى قضاء ، فلا يجوز قصرها إن لم نجوز قصر القضاء . قال الأصحاب : ويجب أن ينوي في وقت الأولى كون التأخير بنية الجمع . فلو أخر بغير نية حتى خرج الوقت ، أو ضاق بحيث لم يبق منه ما تكون الصلاة فيه أداء عصى وصارت الأولى قضاء .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا جمع تقديما ، فصار في أثناء الأولى أو قبل الشروع في الثانية مقيما بنية الإقامة أو وصول السفينة دار الإقامة - بطل الجمع ، فيتعين تأخير الثانية إلى وقتها ، وأما الأولى فصحيحة . فلو صار مقيما في أثناء الثانية ، فوجهان : أحدهما : يبطل الجمع ، كما يمتنع القصر بالإقامة في أثنائها . فعلى هذا ، هل تكون الثانية نفلا أم تبطل ؟ فيه الخلاف كنظائره . وأصحهما : لا يبطل الجمع صيانة لها عن البطلان بعد الانعقاد ، بخلاف القصر ، فإن وجوب الإتمام لا يبطل فرضية ما مضى من صلاته . أما إذا صار مقيما بعد الفراغ من الثانية ، فإن قلنا : الإقامة في أثنائها لا تؤثر فهنا أولى ، وإلا فوجهان . الأصح : لا يبطل الجمع ، كما لو قصر ثم أقام . ثم قال صاحب ( التهذيب ) وآخرون : الخلاف فيما إذا أقام بعد فراغه من الصلاتين ، إما في وقت الأولى ، وإما في وقت الثانية قبل مضي إمكان فعلها . فإن كان بعد إمكان فعلها لم تجب إعادتها بلا خلاف . وصرح إمام الحرمين بجريان الخلاف مهما بقي من وقت الثانية شيء . هذا كله إذا جمع تقديما . فلو جمع في وقت الثانية فصار مقيما بعد فراغه منهما لم يضر . وإن كان قبل الفراغ صارت الأولى قضاء .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية