الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 436 ] ثم دخلت سنة ثنتين وتسعين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها غزا مسلمة ، وابن أخيه عمر بن الوليد بلاد الروم ، ففتحا حصونا كثيرة ، وغنما شيئا كثيرا ، وهربت منهم الروم إلى أقصى بلادهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزا طارق بن زياد مولى موسى بن نصير بلاد الأندلس في اثني عشر ألفا ، فخرج إليه ملكها أذرينوق في جحافله ، وعليه تاجه ومعه سرير ملكه ، فقاتله طارق فهزمه ، وغنم ما في معسكره ، فكان من جملة ذلك السرير ، وتملك بلاد الأندلس بكمالها . قال الذهبي : كان طارق بن زياد أمير طنجة ، وهي أقصى بلاد المغرب ، وكان نائبا لمولاه موسى بن نصير ، فكتب إليه صاحب الجزيرة الخضراء يستنجد به على عدوه ، فدخل طارق إلى جزيرة الأندلس من زقاق سبتة ، وانتهز الفرصة لكون الفرنج قد اقتتلوا فيما بينهم ، وأمعن طارق في بلاد الأندلس فافتتح قرطبة ، وقتل ملكها أذرينوق ، وكتب إلى موسى بن نصير بالفتح ، فحسده موسى على الانفراد بهذا الفتح ، وكتب إلى الوليد يبشره بالفتح ، وينسبه إلى نفسه ، وكتب إلى طارق يتوعده لكونه دخل بغير أمره ، ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به ، ثم سار إليه مسرعا بجيوشه ، فدخل الأندلس ومعه حبيب بن أبي عبيدة الفهري ، فأقام سنين يفتح في بلاد الأندلس ، ويأخذ المدن والأموال ، ويقتل الرجال ، ويأسر النساء والأطفال ، فغنم شيئا لا يحد ولا [ ص: 437 ] يوصف ولا يعد من الجواهر واليواقيت والذهب والفضة ، ومن آنية الذهب والفضة والأثاث والخيول والبغال وغير ذلك شيئا كثيرا ، وفتح من الأقاليم الكبار والمدن شيئا كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان مما فتح مسلمة وابن أخيه عمر بن الوليد من حصون بلاد الروم حصن سوسنة ، وبلغا إلى خليج القسطنطينية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها فتح قتيبة بن مسلم شومان وكس ، ونسف ، وامتنع عليه أهل فرياب فأحرقها ، وجهز أخاه عبد الرحمن إلى الصغد إلى طرخون خان ملك تلك البلاد ، فصالحه عبد الرحمن وأعطاه طرخون خان أموالا كثيرة ، وقدم على أخيه وهو ببخارى فرجع إلى مرو ، ولما صالح طرخون عبد الرحمن ورحل عنه ، اجتمعت الصغد وقالوا لطرخون : إنك قد بؤت بالذل وأديت الجزية ، وأنت شيخ كبير فلا حاجة لنا فيك ، ثم عزلوه وولوا عليهم غوزك خان أخا طرخون خان ، ثم إنهم عصوا ونقضوا العهد ، وكان من أمرهم ما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزا قتيبة سجستان يريد رتبيل ملك الترك الأعظم ، فلما انتهى إلى أول مملكة رتبيل تلقته رسله يريدون منه الصلح على أموال عظيمة; خيول ورقيق ونساء من بنات الملوك يحمل ذلك إليه ، فصالحه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحج بالناس في هذه السنة عمر بن عبد العزيز نائب المدينة ، رحمه الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية