الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 77 ] ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وثلاثمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها قصد ملك الروم ملطية في خمسين ألفا ، فحاصرها ، ثم أعطاهم الأمان حتى تمكن منهم ، فقتل خلقا كثيرا ، وأسر ما لا يحصون كثرة ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وردت الأخبار بأن مرداويج قد تسلم أصبهان وانتزعها من علي بن بويه ، وأن علي بن بويه توجه إلى أرجان فأخذها ، وقد أرسل ابن بويه إلى الحضرة الخليفية بالطاعة والمعونة ، وإن أمكن أن يقبل العتبة الشريفة ويحضر بين يدي الخليفة إن رسم ، أو يذهب إلى شيراز فيكون مع ياقوت . ثم اتفق الحال بعد ذلك أن صار إلى شيراز وأخذها من نائبها ياقوت بعد قتال عظيم ظفر فيه ابن بويه بياقوت وأصحابه ، فقتل منهم خلقا ، وأسر جماعة ، فلما تمكن أطلقهم ، وأحسن إليهم ، وخلع عليهم ، وعدل في الناس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت معه أموال كثيرة قد استفادها من أصبهان وقبلها من الكرج ومن همذان وغيرها . إلا أنه كان كريما جوادا معطاء للجيوش الذين قد التفوا عليه ، ثم [ ص: 78 ] إنه أملق في بعض الأحيان وهو بشيراز ، وطالبه الجند بأرزاقهم ، وخاف أن ينحل نظام أمره ، فاستلقى يوما على قفاه مفكرا في أمره ، وإذا حية قد خرجت من سقف المكان الذي هو فيه ، ودخلت في آخر ، فأمر بنزع تلك السقوف ، فوجد هناك مكانا فيه من الذهب شيء كثير جدا نحو من خمسمائة ألف دينار ، فأنفق في جيشه ما أراد ، وبقي عنده شيء كثير .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وركب ذات يوم يتفرج في خراب البلد ، وينظر إلى أبنية الأوائل ، ويتعظ بمن كان قبله ، فانخسفت الأرض من تحت قائمة جواده ، فأمر فحفر هنالك فوجد من الأموال شيئا كثيرا أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واستعمل عند رجل خياط قماشا ليلبسه ، فاستبطأه فأمر بإحضاره ، فلما وقف بين يديه تهدده ، وكان الرجل أصم لا يسمع جيدا ، فقال : والله ما لابن ياقوت عندي سوى اثني عشر صندوقا ، لا أدري ما فيها . فأمر بإحضارها فإذا فيها أموال عظيمة تقارب ثلاثمائة ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واطلع على ودائع كانت ليعقوب وعمرو ابني الليث ، فيها من الأموال ما لا يحد ولا يوصف كثرة ، فقوي أمره ، وعظم سلطانه جدا ، وهذا كله من الأمور المقدرة لما يريده الله بهم من السعادة الدنيوية . وربك يخلق ما يشاء ويختار [ القصص : 68 ] و لله الأمر من قبل ومن بعد [ الروم : 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكتب إلى الراضي ووزيره أبي علي بن مقلة يطلب أن يقاطع على ما قبله من البلاد على ألف ألف في كل سنة ، فأجابه الراضي إلى ذلك ، وبعث إليه بالخلع [ ص: 79 ] واللواء وأبهة الملك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها قتل القاهر بالله أميرين كبيرين ; وهما إسحاق بن إسماعيل النوبختي ، وهو الذي كان قد أشار على الأمراء بخلافة القاهر ، وأبو السرايا بن حمدان أصغر ولد أبيه ، وكان في نفس القاهر منهما ; بسبب أنهما زايداه مرة من قبل أن يلي الخلافة في جاريتين مغنيتين ، فاستدعاهما إلى المسامرة فتطيبا وحضرا ، فأمر بإلقائهما في بئر هنالك ، فتضرعا إليه فلم يرحمهما ، بل ألقيا فيها ، وطينها عليهما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية