الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 710 ] ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وأربعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في عاشر المحرم تقدم إلى أهل الكرخ أن لا يعملوا بدعة النوح ، فجرت بينهم وبين أهل باب البصرة ما يزيد على الحد ; من الجراح والقتل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها بنى أهل الكرخ سورا عليه ، وبنى أهل السنة سورا على سوق القلائين ، ونقض كل من الفريقين أبنيته ، وحملوا الآجر إلى مواضع بالطبول والمزامير ، وجرت بينهم مفاخرات في ذلك وسخف لا تنحصر ولا تنضبط ، ثم وقعت بينهم فتن يطول ذكرها ، وأحرقوا دورا كثيرة جدا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقعت وحشة بين الملك طغرلبك وأخيه إبراهيم ينال ، فأمر طغرلبك بضربه وسمل إحدى عينيه وقطع شفتيه ، فسار إبراهيم ، فجمع جموعا كثيرة ، فاقتتل هو وأخوه ، فهزمه طغرلبك ثم أسره من قلعة قد تحصن بها ، بعد محاصرة أربعة أيام ، فاستنزله مقهورا ، فأحسن إليه وأكرمه ، وأقام عند أخيه مكرما .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكتب ملك الروم إلى طغرلبك في فداء بعض ملوكهم ممن كان أسره إبراهيم ينال ، ويبذل له فيه قطعة كثيرة من المال ، فبعثه إليه مجانا من غير عوض اشترطه عليه ، فأرسل ملك الروم هدايا كثيرة وتحفا غزيرة ، وأمر بعمارة المسجد الذي بالقسطنطينية ، وأقيمت فيه الصلاة والجمعة ، وخطب فيه للملك [ ص: 711 ] طغرلبك فبلغ هذا الأمر العجيب سائر الملوك ، فعظموا الملك طغرلبك تعظيما زائدا ، وخطب له نصر الدولة بن مروان بالجزيرة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولي مسعود بن مودود بن مسعود بن محمود بن سبكتكين الملك بعد وفاة أبيه ، وكان صغيرا ، فمكث أياما ، ثم عدل عنه إلى عمه علي بن مسعود ، ثم نازعه عمه عبد الرشيد بن محمود ، فاستقر الملك بيده وانعزل علي بن مسعود ، وهذا أمر غريب جدا ، فلله الأمر من قبل ومن بعد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ملك المصريون مدينة حلب وأجلوا عنها صاحبها ثمال بن صالح بن مرداس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كان بين البساسيري وبين بني عقيل حرب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ملك البساسيري الأنبار من يد قرواش ، فأصلح أمورها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي شعبان منها سار البساسيري إلى طريق خراسان وقصد ناحية الدزدار وملكها ، وغنم مالا كثيرا كان فيها ، وكان سعدى بن أبي الشوك قد حصنها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الجوزي : في ذي الحجة ارتفعت سحابة سوداء ليلا ، فزادت على ظلمة الليل ، وظهر في جوانب السماء كالنار المضرمة ، فانزعج الناس لذلك ، وخافوا وأخذوا في الدعاء والتضرع ، فانكشف في باقي الليل بعد ساعة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 712 ] وكانت قد هبت ريح شديدة جدا قبل ذلك ، فأتلفت شيئا كثيرا من الأشجار ، وهدمت رواشن كثيرة من دار الخلافة ودار المملكة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولم يحج أحد من أهل العراق في هذه السنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية