الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 348 ] ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها استغاث مجير الدين بن أتابك دمشق بالملك نور الدين صاحب حلب على الفرنج فركب سريعا فالتقى معهم بأرض بصرى فهزمهم ورجع فنزل على الكسوة وخرج ملك دمشق مجير الدين أبق فخدمه واحترمه وشاهد الدماشقة حرمة نور الدين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ملكت الفرنج المهدية وهرب منها صاحبها الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس بن منصور بن يوسف بن بلكين بن زيري بأهله وما خف من أمواله فتمزق في البلاد ، وأكلتهم الأقطار ، وكان آخر ملوك بني باديس ، وكان ابتداء ملكهم في سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة ، فدخل الفرنج إليها وخزائنها مشحونة بالحواصل والأموال والعدد وغير ذلك ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها حاصرت الفرنج - وهم في سبعين ألف مقاتل ، ومعهم ملك الألمان في خلق لا يعلمهم إلا الله عز وجل - دمشق وعليها مجير الدين أبق وأتابكه معين الدين ، وهو مدبر المملكة وذلك يوم السبت سادس ربيع الأول فخرج إليهم أهلها في مائة ألف وثلاثين ألفا فاقتتلوا معهم قتالا عظيما وقتل من المسلمين في أول يوم نحو من المائتين ، ومن الفرنج خلق كثير لا يحصون واستمرت الحرب مدة ، وأخرج مصحف عثمان إلى وسط صحن الجامع واجتمع الناس حوله يدعون الله عز وجل والنساء والأطفال مكشفي الرءوس يدعون ويتباكون ، والرماد مفروش في البلد فاستغاث أبق بالملك نور [ ص: 349 ] الدين محمود صاحب حلب وبأخيه سيف الدين غازي صاحب الموصل ، فقصداه سريعا في نحو من سبعين ألفا بمن انضاف إليهم من الملوك وغيرهم فلما سمعت الفرنج - قبحهم الله - بقدوم الجيش تحولوا عن البلد فلحقهم الجيش فقتلوا منهم خلقا كثيرا وجما غفيرا وقتلوا فيمن قتلوا معهم قسيسا اسمه إلياس ، وهو الذي أغراهم بدمشق ; وذلك أنه افترى مناما عن المسيح أنه وعده فتح دمشق فقتل لعنه الله وقد كادوا يأخذون البلد ولكن الله سلم ، وحماها بحوله وقوته . قال الله تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين [ البقرة : 251 ] وقال تعالى : ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا [ الحج : 40 ] ومدينة دمشق لا سبيل للأعداء من الكفرة عليها ; لأنها المحلة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها معقل الإسلام عند الملاحم والفتن ، وبها ينزل عيسى ابن مريم ، وقد كان الفرنج قتلوا خلقا كثيرا من أهل دمشق وممن قتلوا : الفقيه الكبير الملقب حجة الدين شيخ المالكية بها أبو الحجاج يوسف بن دوناس الفندلاوي بأرض النيرب ، ودفن بمقابر باب الصغير ، وقد صالح معين الدين الفرنج عن دمشق ببانياس فرحلوا عنها وتسلموا بانياس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها وقع بين السلطان مسعود وأمرائه ففارقوه ، وقصدوا بغداد فاقتتلوا مع العامة فقتلوا منهم خلقا كثيرا من الصغار والكبار ، ثم اجتمعوا قبالة التاج [ ص: 350 ] فقبلوا الأرض واعتذروا إلى الخليفة مما وقع ، وساروا نحو النهروان فتفرقوا في البلاد ونهبوا أهلها ; فغلت الأسعار بالعراق بسبب ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها ولي قضاء القضاة ببغداد أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن الدامغاني بعد وفاة الزينبي . وفيها ملك سوري بن الحسين ملك الغور مدينة غزنة ، فذهب صاحبها بهرام شاه بن مسعود من أولاد سبكتكين إلى الهند ، فاستجاش ملكها ، فجاء بجيوش عظيمة فاقتلع غزنة من يد سوري وأخذه أسيرا فصلبه ، وقد كان كريما جوادا كثير الصدقات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية