الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              [ ص: 223 ] سورة التغابن [ فيها خمس آيات ]

                                                                                                                                                                                                              الآية الأولى قوله تعالى : { يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } .

                                                                                                                                                                                                              فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى قال علماء التفسير : إن المراد به غبن أهل الجنة أهل النار يوم القيامة . المعنى أن أهل الجنة أخذوا الجنة ، وأخذ أهل النار النار على طريق المبادلة ، فوقع الغبن ، لأجل مبادلتهم الخير بالشر ، والجيد بالرديء ، والنعيم بالعذاب ، على من أخذ الأشد وحصل على الأدنى .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : فأي معاملة وقعت بينهما حتى يقع الغبن فيها ؟ قلنا وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية إنما هذا مثل ; لأن الله سبحانه خلق الخلق منقسمين على دارين : دنيا ، وآخرة ، وجعل الدنيا دار عمل ، وجعل الآخرة دار جزاء على ذلك العمل ; وهي الدار المطلوبة التي لأجلها خلق الله الخلق ; ولولا ذلك لكان عبثا ، وعنده وقع البيان ، بقوله سبحانه : { أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق } يعني عن ذلك وعن أمثاله مما هو منزه عنه ، مقدس منه ، وبين سبحانه النجدين ، وخلق للقلب المعرفة والحواس سبلا لها ، والعقل والشهوة يتنازعان للعلائق ، والملك يعضد العقل ، والشيطان يحمل الشهوة ، والتوفيق قرين الملك ، والخذلان قرين الشيطان ، والقدر من فوق [ ذلك ] يحمل العبد إلى ما كتب له من ذلك .

                                                                                                                                                                                                              وقد فرق الخلق فريقين [ ص: 224 ] في أصل المقدار وكتبهم بالقلم الأول في اللوح المحفوظ فريقين : فريق للجنة ، وفريق للنار ، ومنازل الكل موضوعة في الجنة والنار ; فإن سبق التوفيق حصل العبد من أهل الجنة ، وكان في الجنة ، وإن سبق الخذلان على العبد الآخر فيكون من أهل النار ، فيحصل الموفق على منزل المخذول ، ويحصل للمخذول منزل الموفق في النار ، فكأنه وقع التبادل ، فحصل التغابن .

                                                                                                                                                                                                              والأمثال موضوعة للبيان في حكم القرآن واللغة ; وذلك كله مجموع من نشر الآثار . وقد جاءت متفرقة في هذا الكتاب وغيره .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية