الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( قال الشافعي ) رحمه الله تعالى : وإذا تناكح الزوجان المشركان بصداق يجوز لمسلم أن ينكح به ودخل بها الزوج ثم انقطعت العصمة بينهما وأسلما فالمهر للمرأة ما كان فإن كانت قبضته فقد استوفت وإن لم تكن قبضته أخذته من الزوج وإن تناكرا فيه فقال الزوج قد قبضته وقالت المرأة لم أقبضه فالقول قول المرأة وعلى الزوج البينة وهكذا لو لم يكن النكاح انفسخ أو أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر وإن كان الصداق فاسدا فلها مهر مثلها وإن كان الصداق محرما مثل الخمر وما أشبهه فلم تقبضه فلها مهر مثلها وإن قبضته بعدما أسلم أحد الزوجين فلها مهر مثلها وليس لمسلم أن يعطي خمرا ولا لمسلم أن يأخذه وإن قبضته وهما مشركان فقد مضى وليس لها غيره لأن الله عز وجل يقول { اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا } فأبطل ما أدرك الإسلام ولم يأمرهم برد ما كان قبله من الربا فإن كان أرطال خمر فأخذت نصفه في الشرك وبقي نصفه أخذت منه نصف صداق مثلها وكذلك إن كان الباقي منه الثلث أو الثلثين أو أقل أو أكثر رجعت بعده بما يبقى منه من صداق مثلها ولم يكن لواحد منهما أخذ الخمر في الإسلام إذا كان المسلم يعطيه مشركا أو المشرك يعطيه مسلما وإن أخذه أحدهما في الإسلام أهراقه ولم يرده على الذي أخذه منه بحال إلا أن يعود خلا من غير صنعة آدمي فيرد الخل إلى دافعه لأن عين ماله صارت خلا وترجع بمهر مثلها ولو صارت خلا من صنعة آدمي أهراقها ولم يكن لها الاستمتاع بها ولا ردها وترجع بما بقي من الصداق وإن كان الزوجان مسلمين في أي دار كانا في دار الإسلام أو دار الحرب فارتد أحدهما فالقول فيه كالقول في الزوجين الوثنيين يسلم أحدهما لا يختلف في حرف من فسخ النكاح وغيره من التحريم لأنه في مثل معنى ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزوجين الحربيين يسلم أحدهما قبل الآخر أنه يثبت النكاح إذا أسلم آخرهما إسلاما قبل مضي العدة فوجدت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إثبات عقد النكاح في الشرك وعقد نكاح الإسلام ثابت ووجدت في حكم الله تبارك وتعالى تحريم المسلمات على المشركين وتحريم المشركات من أهل الأوثان على المسلمين

[ ص: 52 ] ووجدت أحد الزوجين إذا ارتد حرم الجماع أيهما كان المسلم المرأة أولا أو الزوج فلا يحل وطء كافرة لمسلم أو الزوجة فلا يحل وطء مسلمة لكافر فكان في جميع معاني حكم النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالفه حرفا واحدا في التحريم والتحليل فإن ارتد الزوج بعد الوطء حيل بينه وبين الزوجة فإن انقضت عدتها قبل أن يرجع الزوج إلى الإسلام انفسخ النكاح وإن ارتدت المرأة أو ارتدا جميعا أو أحدهما بعد الآخر فهكذا أنظر أبدا إلى العدة فإن انقضت قبل أن يصيرا مسلمين فسختها وإذا أسلما قبل أن تنقضي العدة فهي ثابتة ( قال الشافعي ) في المسلمين يرتد أحدهما والحربيين يسلم أحدهما ثم يخرس المرتد منهما قبل أن يسلم أو يغلب على عقله إذا مضت العدة قبل أن يسلم المتخلف عن الإسلام منهما انقطعت العصمة والعقدة فإذا لم تثبت إلا بأن يكونا مسلمين قبل انقضاء العدة فقد انقضت العدة قبل أن يكونا مسلمين ولو خرس المرتد منهما وقد أصابها الزوج قبل الردة ولم يذهب عقله فأشار بالإسلام إشارة تعرف وصلى قبل انقضاء العدة أثبتنا النكاح فإن كان هو الزوج فنطق فقال كانت إشارتي بغير إسلام وصلاتي بغير إيمان إنما كانت لمعنى يذكره جعلنا عليه الصداق وفرقنا بينهما إن كانت العدة مضت وإن لم تكن مضت حلنا بينه وبينها حتى تنقضي العدة الأولى وإن كان أصابها بعد الردة جعلنا صداقا آخر وتستقبل العدة من الجماع الآخر وتكمل عدتها من الأول وتعتد بها في الآخر وإن كان أسلم في العدة الآخرة لم يكن له أن يثبت النكاح فيها لأنها إنما تعتد من نكاح فاسد ولو أسلم في بقية العدة الأولى ثبت النكاح ( قال الشافعي ) وإذا كانت الزوجة المرتدة فأشارت بالإسلام إشارة تعرف وصلت فخلي بينها وبين زوجها فأصابها فقالت كانت إشارتي بغير الإسلام وصلاتي في غير الإسلام لم تصدق على فسخ النكاح وجعلت الآن مرتدة تستتاب وإلا تقتل فإن رجعت في عدتها إلى الإسلام ثبتا على النكاح ( قال الشافعي ) وإن كان الزوج المرتد فهرب واعتدت المرأة فجاء مسلما وزعم أن إسلامه كان قبل إتيانه بشهر وذلك الوقت قبل مضي عدة زوجته وقد انقضت عدتها فأنكرت إسلامه إلا في وقت خرجت فيه من العدة فالقول قولها مع يمينها وعليه البينة وإذا انفسخت العقدة بين الكافرين يسلم أحدهما أو المسلمين يرتد أحدهما بانقضاء العدة تزوجت المرأة مكانها وتزوج الرجل أختها وأربعا سواها .

التالي السابق


الخدمات العلمية