الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      ابن السماك

                                                                                      الزاهد ، القدوة ، سيد الوعاظ أبو العباس محمد بن صبيح [ ص: 329 ] العجلي ، مولاهم الكوفي ، ابن السماك .

                                                                                      روى عن : هشام بن عروة ، والأعمش ، ويزيد بن أبي زياد ، وطائفة . ولم يكثر .

                                                                                      روى عنه : يحيى بن يحيى ، وأحمد بن حنبل ، ويحيى بن أيوب العابد ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وآخرون . قال ابن نمير : صدوق .

                                                                                      قلت : ما وقع له شيء في الكتب الستة . وهو القائل : كم من شيء إذا لم ينفع لم يضر ، لكن العلم إذا لم ينفع ، ضر .

                                                                                      قيل : وعظ مرة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن لك بين يدي الله مقاما ، وإنه لك من مقامك منصرفا ، فانظر إلى أين تكون . فبكى الرشيد كثيرا .

                                                                                      قيل : دخل ابن السماك على رئيس في شفاعة لفقير . فقال : إني أتيتك في حاجة ، والطالب والمعطي عزيزان إن قضيت الحاجة ، ذليلان إن لم تقض ، فاختر لنفسك عز البذل عن ذل المنع ، وعز النجح على ذل الرد .

                                                                                      وعنه قال : همة العاقل في النجاة والهرب ، وهمة الأحمق في اللهو والطرب ، عجبا لعين تلذ بالرقاد ، وملك الموت معها على الوساد ، حتى متى يبلغنا الوعاظ أعلام الآخرة ، حتى كأن النفوس عليها واقفة ، والعيون ناظرة ، أفلا منتبه من نومته ، أو مستيقظ من غفلته ، ومفيق من سكرته ، وخائف من صرعته ، كدحا للدنيا كدحا ، أما تجعل للآخرة منك حظا ، أقسم بالله ، لو رأيت القيامة تخفق بأهوالها ، والنار مشرفة على آلها ، وقد [ ص: 330 ] وضع الكتاب ، وجيء بالنبيين والشهداء ، لسرك أن يكون لك في ذلك الجمع منزلة ، أبعد الدنيا دار معتمل ، أم إلى غير الآخرة منتقل ؟ . هيهات ولكن صمت الآذان عن المواعظ ، وذهلت القلوب عن المنافع ، فلا الواعظ ينتفع ، ولا السامع ينتفع .

                                                                                      وعنه : هب الدنيا في يديك ، ومثلها ضم إليك ، وهب المشرق والمغرب يجيء إليك ، فإذا جاءك الموت ، فماذا في يديك ؟ ! ألا من امتطى الصبر ، قوي على العبادة ، ومن أجمع الناس ، استغنى عن الناس ، ومن أهمته نفسه لم يول مرمتها غيره ، ومن أحب الخير وفق له ، ومن كره الشر ، جنبه ، ألا متأهب فيما يوصف أمامه ، ألا مستعد ليوم فقره ، ألا مبادر فناء أجله . ما ينتظر من ابيضت شعرته بعد سوادها ، وتكرش وجهه بعد انبساطه ، وتقوس ظهره بعد انتصابه ، وكل بصره ، وضعف ركنه ، وقل نومه ، وبلي منه شيء بعد شيء في حياته ، فرحم الله امرأ عقل الأمر ، وأحسن النظر ، واغتنم أيامه .

                                                                                      وعنه : الدنيا كلها قليل ، والذي بقي منها قليل ، والذي لك من الباقي قليل ، ولم يبق من قليلك إلا قليل ، وقد أصبحت في دار العزاء ، وغدا تصير إلى دار الجزاء ، فاشتر نفسك لعلك تنجو . توفي ابن السماك سنة ثلاث وثمانين ومائة وقد أسن .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية