السؤال
ما الذي يفعله الإنسان إذا زاغ قلبه؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن على من زاغ قلبه أن يلجأ الى الله، ويستعين به، ويسأله العون على التمسك بالدين الحق، والثبات عليه، كما في قوله سبحانه: ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. [آل عمران:8]، وقوله تعالى: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا. [البقرة:250]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك. رواه الترمذي عن أنس.
وعليه أن يطالع كتب الترغيب والترهيب، ويجتهد في الخير، ويبتعد عن الشر؛ فقد قال الله سبحانه: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا. [النساء:66].
وينبغي أن يكثر من النظر في قراءة قصص الأنبياء، والصحابة، والصالحين، فالله يقول: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين. [هود:120].
وعليه أن يبتعد عن المعاصي، والتفريط في العمل بما علم، فإن ذلك يخشى على فاعله من أن يعاقبه الله تعالى بالإضلال، والزيغ.
وقد ذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في مدارج السالكين عشر مراتب للهداية الخاصة والعامة، فقال في المرتبة السادسة: مرتبة البيان العام، وهو تبيين الحق وتمييزه من الباطل بأدلته، وشواهده، وأعلامه، بحيث يصير مشهودا للقلب كشهود العين للمرئيات، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدا، ولا يضله إلا بعد وصوله إليها؛ قال الله تعالى: وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون.
فهذا الإضلال عقوبة منه لهم حين بين لهم، فلم يقبلوا ما بينه لهم، ولم يعملوا به، فعاقبهم بأن أضلهم عن الهدى، وما أضل الله سبحانه أحدا قط إلا بعد هذا البيان.
وإذا عرفت هذا، عرفت سر القدر، وزالت عنك شكوك كثيرة، وشبهات في هذا الباب، وعلمت حكمة الله في إضلاله من يضله من عباده، والقرآن يصرح بهذا في غير موضع، كقوله: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم. وقوله: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون. فعاقبهم على ترك الإيمان به حين تيقنوه وتحققوه، بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم فلم يهتدوا له، فتأمل هذا الموضع حق التأمل، فإنه موضع عظيم. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: العمل بموجب العلم يثبته ويقرره، ومخالفته تضعفه، بل قد تذهبه، قال الله تعالى: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم {الصف: 5}، وقال تعالى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة {الأنعام: 110}، وقال تعالى: ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ـ 66ـ وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيما ـ 67ـ ولهديناهم صراطا مستقيما ـ 68. {النساء}. اهـ.
وقال ـ أيضا: الله سبحانه جعل مما يعاقب به الناس على الذنوب سلب الهدى، والعلم النافع، كقوله: وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم. وقال: وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم. وقال: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة. وقال: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا. وقال: فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم. اهـ.
وقال ـ أيضا: من أعرض عن اتباع الحق الذي يعلمه تبعا لهواه، فإن ذلك يورثه الجهل والضلال حتى يعمى قلبه عن الحق الواضح. اهـ.
والله أعلم.