[ ص: 613 ] الفصل الرابع
في الكلام على مسالك العلة
وهي طرقها الدالة عليها
ولما كان لا يكتفى في القياس بمجرد وجود الجامع في الأصل والفرع ، بل لا بد في اعتباره من دليل يدل عليه ، وكانت الأدلة إما النص أو الإجماع ، أو الاستنباط; احتاجوا إلى بيان مسالك العلة .
وقد أضاف
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب إلى الأدلة الثلاثة دليلا رابعا ، وهو العقل ، ولم يعتبره الجمهور ، بل جعلوا طريق إثبات العلة هو السمع فقط .
وقد اختلفوا في عدد هذه المسالك :
فقال
الرازي في المحصول : هي عشرة : النص ، والإيماء ، والإجماع ، والمناسبة ، والتأثير ، والدوران ، والسبر والتقسيم ، والشبه ، والطرد ، وتنقيح المناط .
قال : وأمور أخر اعتبرها قوم ، وهي عندنا ضعيفة . انتهى .
واختلف أهل الأصول في تقديم مسلك الإجماع على مسلك النص ، أو مسلك النص على مسلك الإجماع ، فمن قدم الإجماع نظر إلى كونه أرجح من ظواهر النصوص; لأنه لا يتطرق إليه احتمال النسخ ، ومن قدم النص نظر إلى كونه أشرف من غيره ، وكونه مستند الإجماع ، وهذا مجرد اصطلاح في التأليف ، فلا مشاحة فيه .
وسنذكر من المسالك ها هنا أحد عشر مسلكا :
المسلك الأول
الإجماع
وهو نوعان :
إجماع على علة معينة ، كتعليل ولاية المال بالصغر ، وإجماع على أصل التعليل ، وإن اختلفوا في عين العلة ، كإجماع السلف على أن الربا في الأصناف الأربعة معلل ،
[ ص: 614 ] وإن اختلفوا في العلة ماذا هي ؟
وقد ذهب إلى كون الإجماع من مسالك العلة جمهور الأصوليين ، كما حكاه القاضي في التقريب ، ثم قال : وهذا لا يصح عندنا; فإن القياسيين ليسوا كل الأمة ، ولا تقوم الحجة بقولهم ، وهذا الذي قاله صحيح ، فإن المخالفين في القياس كلا أو بعضا هم بعض الأمة ، فلا تتم دعوى الإجماع بدونهم .
وقد تكلف
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين الجويني في البرهان لدفع هذا فقال : بأن منكري القياس ليسوا من علماء الأمة ، ولا من حملة الشريعة ، فإن معظم الشريعة صدرت عن الاجتهاد ، والنصوص لا تفي بعشر معشار الشريعة انتهى .
وهذا كلام يقضي من قائله العجب ، فإن كون منكري القياس ليسوا من علماء الأمة من أبطل الباطلات ، وأقبح التعصبات ، ثم دعوى أن نصوص الشريعة لا تفي بعشر معشارها لا تصدر إلا عمن لم يعرف نصوص الشريعة حق معرفتها .
وحكى
ابن السمعاني عن بعض أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه لا يجوز القياس على الحكم المجمع عليه ، ما لم يعرف النص الذي أجمعوا عليه انتهى .
وهذا يعود عند التحقيق إلى نفي كون الإجماع من مسالك العلة ، ثم القائلون بأن الإجماع من مسالك العلة لا يشترطون فيه أن يكون قطعيا ، بل يكتفون فيه بالإجماع الظني فزادوا هذا المسلك ضعفا إلى ضعفه .