آ. (5) قوله :
اكتتبها : يجوز فيه ثلاثة أوجه، أحدها: أن يكون حالا من أساطير، والعامل فيها معنى التنبيه، أو الإشارة المقدرة; فإن "أساطير" خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذه أساطير الأولين مكتتبة. والثاني: أن يكون في موضع خبر ثان لـ "هذه". والثالث: أن يكون "أساطير" مبتدأ و "اكتتبها" خبره، واكتتبها: الافتعال هنا يجوز أن يكون بمعنى أمر بكتابتها كاقتصد واحتجم، إذا أمر بذلك، ويجوز أن يكون بمعنى كتبها، وهو من جملة افترائهم عليه لأنه [عليه السلام] كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ويكون كقولهم: استكبه واصطبه أي: سكبه وصبه. والافتعال مشعر بالتكلف. ويجوز أن يكون من كتب بمعنى جمع، من الكتب وهو الجمع، لا من الكتابة بالقلم.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة "اكتتبها" مبنيا للمفعول. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: "والمعنى: اكتتبها له كاتب لأنه كان أميا لا يكتب بيده، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار: اكتتبها إياه كاتب. كقوله:
"واختار موسى قومه" ثم بني
[ ص: 456 ] الفعل للضمير الذي هو "إياه" فانقلب مرفوعا مستترا بعد أن كان منصوبا بارزا، وبقي ضمير الأساطير على حاله فصار "اكتتبها" كما ترى".
قال الشيخ: "ولا يصح ذلك على مذهب جمهور البصريين; لأن "اكتتبها له كاتب" وصل الفعل فيه لمفعولين أحدهما مسرح، وهو ضمير الأساطير، والآخر مقيد، وهو ضميره عليه السلام، ثم اتسع في الفعل فحذف حرف الجر، فصار: اكتتبها إياه كاتب. فإذا بني هذا للمفعول: إنما ينوب عن الفاعل المفعول المسرح لفظا وتقديرا لا المسرح لفظا، المقيد تقديرا. فعلى هذا يكون التركيب: اكتتبه لا اكتتبها، وعلى هذا الذي قلناه جاء السماع. قال:
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق: 3472 - ومنا الذي اختير الرجال سماحة وجودا إذا هب الرياح الزعازع
ولو جاء على ما قرره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري لجاء التركيب: "ومنا الذي اختيره الرجال" لأن "اختير" تعدى إلى الرجال بإسقاط حرف الجر; إذ تقديره: اختير من الرجال". قلت: وهو اعتراض حسن بالنسبة إلى مذهب الجمهور، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قد لا يلتزمه، ويوافق
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش والكوفيين، وإذا كان
nindex.php?page=showalam&ids=13674الأخفش وهم، يتركون المسرح لفظا وتقديرا، ويقيمون المجرور بالحرف مع وجوده فهذا أولى وأحرى.
والظاهر أن الجملة من قوله:
"اكتتبها فهي تملى" من تتمة قول الكفار. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أنها من كلام الباري تعالى، وكان حق الكلام على هذا أن يقرأ
[ ص: 457 ] "أكتتبها" بهمزة مقطوعة مفتوحة للاستفهام كقوله: "أفترى على الله كذبا أم به جنة". ويمكن أن يعتذر عنه: أنه حذف الهمزة للعلم بها كقوله تعالى:
"وتلك نعمة تمنها علي". وقول الآخر:
3473 - أفرح أن أرزأ الكرام وأن أورث ذودا شصائصا نبلا
يريد: أو تلك، وأأفرح، فحذف لدلالة الحال، وحقه أن يقف على "الأولين". قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: "كيف قيل: اكتتبها فهي تملى عليه، وإنما يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أراد اكتتابها وطلبه فهي تملى عليه أو كتبت له وهو أمي فهي تملى عليه أي: تلقى عليه من كتاب يتحفظها; لأن صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب".
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16747عيسى وطلحة "تتلى" بتاءين من فوق، من التلاوة. و
"بكرة وأصيلا" ظرفا زمان للإملاء. والياء في "تملى" بدل من اللام كقوله:
"فليملل" وقد تقدم.