الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعــاة الجـدد.. حملات الطعن ومحاولات التجريح

الدعــاة الجـدد.. حملات الطعن ومحاولات التجريح

الدعــاة الجـدد.. حملات الطعن ومحاولات التجريح

ظهر في الفترة الماضية عدد غير قليل ممن أسماهم الناس "مجازاً" (الدعاة الجدد).. وهؤلاء الدعاة كانوا بلا شك مع إخوانهم ممن أثروا الساحة الإسلامية بدعوتهم إلي الله وتذكيرهم الخلق بالخالق وتقريبهم الناس إلي الحق وترغيبهم في الإسلام والدين وحثهم علي صنع الخير.

وأنا لا أحب استخدام مصطلح الدعاة الجدد لأنه "في نظري" ينقص من قدرهم.. ولكن هكذا عرفوا به وأصبح علامة عليهم.. ولا مشاحة في الاصطلاح.. وأنا استخدمه هنا اضطرارًا للتوضيح فقط.


وكل واحد من هؤلاء الدعاة الجدد له مجاله الذي تميز فيه.. وأسلوبه الذي أصبح علامة عليه.. وصار لكل منهم طريقته في الدعوة التي أصبحت محببة إلي تلاميذه ومريديه.. ويقلدها بعض الدعاة الأصغر منهم سنا..

ومما يميز هؤلاء الدعاة عن غيرهم أنهم طوروا أساليب الدعوة إلي الله.. وجددوا فيها.. وأصبح لكل واحد منهم الأسلوب الجميل والجديد والجيد في نفس الوقت لعرض مادته الدعوية. كما أن تخصص كل واحد منهم في باب معين من أبواب الدعوة.. واستعانة البعض منهم بفريق علمي يعد معه مادة حلقاته أعطي ثقلا علميًّا ودعويًا لدعوتهم.. وكذا حسن اختيارهم لموضوعات حلقاتهم وارتباط هذه الموضوعات بحياة الناس واهتماماتهم ومشكلاتهم.. كل ذلك جعل لدعوتهم أثرًا قويًّا في نفوس الناس.. ولولا وجود هؤلاء الدعاة في السنوات الأخيرة لركدت الدعوة الإسلامية وجمدت علي قوالب قديمة.. قليلة التأثير.. ضعيفة الإقبال.. وهذه القوالب تم حصارها ومنعها في غالب البلاد والأحيان.


ولولا وجود هؤلاء ما وصلت الدعوة إلي شرائح اجتماعية لم تستطع الحركة الإسلامية الوصول إليها من قبل.. كما أن معظم أفكار هذه الشرائح عن الحركة الإسلامية كانت سلبية.. ولكن هؤلاء الدعاة الجدد استطاعوا انتزاع فلذات أكباد اللاهين والعابثين والماجنين وغلاة العلمانيين وضمهم إلي مسيرة الدين والهدي والرشاد.. بعيدًا عن صراع بعض الإسلاميين مع الحكومات والذي يصرف الكثيرين عن الدخول إلي دائرة الدين خوفًا من دخوله دائرة هذا الصراع الساخن أحيانا والبارد في أوقات كثيرة .

ورغم عدم لقائي بأحد من هؤلاء الدعاة الجدد إلا أنني بين الحين والآخر أتابع نشاطاتهم واستمع لبعضهم كلما تيسر لي ذلك. وأكثر ما يؤلمني هو الهجوم المستمر عليهم سواءً من بعض المنتسبين للإسلام أو الإسلاميين أو العلمانيين واليساريين في الوقت نفسه.

وهجوم علمانيي اليوم شيوعيي ويساريي الأمس.. يمكننا تفهم دوافعه واعتباراته.. ولكن ما يحز في النفس هو هجوم بعض الإسلاميين علي هؤلاء الدعاة الأفاضل. وهناك كتب تشتم بعض هؤلاء الدعاة.. وكذلك أشرطة تهاجمهم بشراسة دون اعتبار لأدب الخلاف.

وما أود أن أقوله في هذه المسألة أنه ما من داعية أو عالم أو مرب أو صانع للخير أو إنسان فاضل يخلو من الهنات والعيوب.. ولكن أمثال الدعاة إلي الله وصناع المعروف ومعلمي الناس الخير يعاملون بالقاعدة النبوية "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث".

وهؤلاء الدعاة وأمثالهم نهر جار من الخيرات والبركات.. وفيض مستمر من تهذيب الشباب وبذل المعروف وعمل الخير.. ولا يضر دعوتهم هنة أو هنات.. أو فلتة أو فلتات.. أو خطأ أو أخطاء.. فنهر خيرهم لا يتلوث ـ بإذن الله ـ بهذه الهنات.. وفيض دعوتهم لا تضره إن شاء الله الهفوات والزلات.. ولكن ستظل دعوتهم طيبة مباركة ما داموا مخلصين لله موصولة بين الأرض والسماء.. وهادية للأرض بنور الرسالة والنبوة..


وقد كتبت قبل تحت عنوان "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث"، وأتمنى لو قرأه الناس لأن فيه تحذيرًا من تكرار إهانة الدعاة والعلماء وتجريحهم وسبهم والقدح المستمر فيهم.. والبحث بإبرة عن أخطائهم وسلبياتهم.. والتغاضي عن حسناتهم وأفضالهم.. وترك تكريمهم والثناء عليهم والاعتراف بفضلهم.

وحديث "إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث" يستخدم أصلا في الفقه في باب الطهارة.. ولكنَّ الدعاة والمربين يعتبرونه في الوقت ذاته من أهم القواعد التربوية في التعامل مع الخلق.. ومعناه أن الإنسان إذا فاض خيره وتكاثرت حسناته وفضائله لم يضره يسير الهنات وقليل العيوب.. فمن غلبت حسناته سيئاته.. وفاق خيره شره.. وزاد فضله عن نقصه.. وُهِب نقصه لفضله.. وغابت سيئاته في بحور حسناته.


وقد ذكرت في هذا الباب الجميل قصة الصحابي الجليل "حاطب بن أبي بلتعة" حين غلبت حسنة هجرته وشهوده بدرًا مع رسول الله "صلي الله عليه وسلم" علي إفشائه سر رسول الله "صلي الله عليه وسلم" وجيشه يوم الفتح الأكبر.. وكيف قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" يومها لعمر بن الخطاب الذي استأذن النبي في قتله: "وما يدريك يا عمر لعل الله عز وجل قد اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم إني قد غفرت لكم".


وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه انهزم في يوم أحد مع من انهزم.. فكانت هنة.. ولكن ماذا تصنع هذه الهنة ـ مع أن الله قد غفرها لهم بقوله: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (آل عمران:155) ـ أمام فيض حسناته؟.. فهو "رضي الله عنه" من السابقين الأولين في الإسلام.. وزوج ابنتي رسول الله "صلي الله عليه وسلم" رقية وأم كلثوم.. والذي تستحي منه الملائكة.. وهو الذي وسع المسجد النبوي بماله الخاص.. واشتري بئر رومه ووهبها للمسلمين.. وهو الذي ساهم بقدر كبير في تجهيز جيش العسرة حتى قال رسول الله " صلي الله عليه وسلم " يومها ويوم اشترى بئر رومة: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم".


أي أن هذه الحسنة العظيمة لا يقدح فيها ولا فيه بعدها أي هنات أو زلات.. ولو فقه هذه المعاني الجليلة تلك الشرذمة الرعاع الذين خرجوا علي عثمان من مصر والعراق وقتلوه.. ما ارتكبوا هذا الإثم الفظيع.. ولما قتلوه وهو عطشان علي بعد خطوات من بئر رومة التي سقى منها آلاف الصحابة والتابعين.. ولكنه الغباء والغدر والجهل والخيانة.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.


وهذا خالد بن الوليد "رضي الله عنه".. قتل بني جذيمة عن اجتهاد أخطأ فيه.. ولكن أني لهذه الهنة أن تقف في وجه الجبال الشامخة من حسناته.. وهو الذي دحر مسيلمة الكذاب والمرتدين.. ولو لم تكن له سوى هذه الحسنة لكفي.. ولولاه بعد الله لارتدت معظم جزيرة العرب. وهو الذي فتح معظم الشام وبعض بلاد الفرس.. فكم من راية للتوحيد قد رفرفت بجهاده.. وكم من صوت للأذان شق أركان الفضاء في كل أرض وطئتها خيوله.. وهل فتحت بلاد كسري وقيصر إلا بجهوده وأمثاله؟.


ونفس القياس يمكن أن نذكر فيه حسنات سيف الدين قطز والظاهر بيبرس.. وغيرهما.. ممن تنطبق عليهم نفس القاعدة.. والذي يمكن تلخيصها في هذا البيت الجميل:

وإذا الحبيب أتي بذنب واحد = جاءت محاسنه بألف شفيع


فالعبرة في الحكم علي الناس وخاصة الأفاضل منهم بكثرة الفضائل والحسنات.. والمنصف من عمل بقاعدة الإمام ابن رجب الحنبلي " من أنصف اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه " .

أو ليست القاعدة الشرعية الفقهية قد قررت أن الحكم للأغلب وأنه لا عبرة للنادر .

فعلي الدعاة خاصة والمسلمين عامة الذين لا هم لهم ولا عمل لهم سوي شتم وتجريح الدعاة الجدد أو علماء المسلمين وكتابة الكتب وطبع الأشرطة في ذلك أن يتذكروا قول سيد التابعين سعيد بن المسيب: "ليس هناك من شريف ولا عالم ولا ذو فضل إلا وفيه عيب.. ولكن من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله.


إن من حقنا أن نختلف مع بعض الدعاة في بعض الأمور والمواقف.. ومن حقنا أيضا أن نناقش رأيهم؛ فنحن لا نعتقد العصمة في أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب الحجرة الشريفة عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكن نختلف ونناقش بكل أدب واحترام.. وعلينا أن نعلم أنه ليس من حقنا أن نطعن في أشخاصهم أو نشكك في نواياهم.. أو أن نسئ الظن بهم.. فليس ذلك من أخلاق الإسلام مع عوام المسلمين فضلاً عن دعاتهم وعلمائهم.


إنني أناشد الدعاة خاصة والشباب عامة أ، يبدءوا عهدًا جديدًا مع الله.. يحفظون فيه ألسنتهم من الخوض في أصحاب الفضل والإحسان.. حتى وإن بدا منهم نوع خطأ أو قصور.. فخطؤهم في الغالب هو خطأ اجتهاد لا خطأ هوى وعناد.. ولو أننا نصحناهم سرًّا أو برسالة أو عبر الإيميل الخاص بهم لكان خيرا ً لنا ولهم.. ولو أننا دعونا لهم بالصلاح والهداية والخير والسداد كما يدعون لنا لأكرمنا الله معهم ولسددنا جميعا.

وفق الله الجميع إلي الخير والحق. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــــــــ
المصريون : بتصرف

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة