الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التكاسل عن الطاعات بعد الاشتغال بالتجارة

السؤال

ليتني كما كنت

وبدون مقدمة: لقد كنت مستقيماً، ومحافظاً على الصلاة وصيام الأيام البيض، والصدقات والزهد، وقراءة الكتب المفيدة و.. و... إلخ.

وقبل سنة دخلت في التجارة وبدأت أتكاسل شيئاً فشيئاً، وأنا الآن حتى صلاة الجماعة لا أحافظ عليها، رغم أن نفسي تقول لي: سوف تعود قريباً، ولكنني أراني أتجه إلى الأسوأ!

لقد ترددت قبل أن أكتب لك هذه الرسالة؛ وذلك لأنني متوقع أن تقول لي: إن هذا مؤقت ثم سيذهب.

مستشاري العزيز! أكتب لك هذه الرسالة وأنا يائس من العودة، وإن صح التعبير شبه يائس! لا أريد أن أطيل عليك، وفقك الله إلى كل خير.

وأنا منتظر جوابك بفارغ الصبر، عله يحمل لي قبساً أستضيء به في وقت فقدت فيه فانوسي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ أبو يزيد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن شعورك بالتقصير، وإحساسك بما حصل لك من التغيير، وخوفك من ربك القدير، دليل على أنك على خير كثير، فاجتهد في تنمية عناصر الخير في نفسك، وتوجه إلى الله ربك، فإنه نعم المولى ونعم النصير، فسبحان من لا يطاع إلا بإذنه، ولا يعصى إلا بعلمه، وسبحانك اللهم على حلمك بعد علمك وعلى عفوك بعد قدرتك.

ولا يخفى عليك أن المسلم مطالب بالسعي والبحث عن الرزق، وسعيد من الناس من طلب الرزق الحلال، وتوكل على العظيم ذي الجلال، فتحرّ الحلال في تجارتك، وأخلص لله في عبادتك، واعلم أن الله قد قسم الأرزاق وحدد الآجال، وتذكر أننا مخلوقون للعبادة، وأنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها، وقد وجهنا فقال عليه الصلاة والسلام (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، فخذوا ما حل ودعوا ما حرم عليكم)، والمسلم لا ييأس من رحمة الرحيم ومغفرة الغفور، فتوجه إلى ربك الشكور.
وأرجو أن تعلم أن التاجر الصدوق الأمين في أرفع الدرجات عند الله، وتذكر أن المسلم يفعل الأسباب ثم يتوكل على الوهاب، وأن الفلاح في السعي في طلب الرزق مع المداومة على المراقبة لله والذكر، قال تعالى: (( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))[الجمعة:10]، وقيل لسعيد بن المسيب: ما رأينا مثل دين هؤلاء!! فقال: ماذا يفعلون؟ فقيل له: يصلي أحدهم الظهر فلا يخرج حتى يصلي العصر ويصلي العصر فلا يخرج حتى يصلي المغرب، فقال الإمام سعيد بن المسيب: "ويْحكم ما هذا بدين، إنما الدين في السعي".

والمطلوب من المسلم أن يعمر الحياة بالذكر والطاعة، وقد كان ابن عمر رضي الله عنه تاجراً ولكنه كان وقافاً عند حدود الله، فكان لا يمضي صفقة حتى يعرف حكم الله، وكان من أشد الصحابة اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يجبر ناقته لتضع خفها حيث وضعت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يتعلم ويعلم، وكان قد فرق حياته نصفين، نصف للغزو والجهاد والرباط، ونصف للعبادة والمناسك.

وكان لا ينام من الليل إلا قليلاً، وكان يكثر الصيام ويتصدق بإفطاره على الفقراء والأيتام، وكان كثير الذكر والنصح، فكان يخرج للسوق فيتحول السوق بدخوله إلى ساحة للذكر والإنابة، وقال له غلامه: لماذا تدخل السوق ولا تبيع ولا تشتري؟ فقال: "إني أذهب للسلام والذكر والنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وكان رضي الله عنه يطبق قول الله تعالى: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الأنعام:162].

فأنت تستطيع أن تمارس كل هذه العبادات وغيرها في السوق ومع اشتغالك بالتجارة، فابحث لنفسك عن رفقة صالحة تذكرك بالله إذا نسيت، وتعينك على ذكر الله إن ذكرت، وتوجه إلى الله فإنه الموفق لكل خير، وأكثر من الاستغفار والصلاة على النبي المختار، واعلم بأنك لن تنال بكدك وتعبك إلا ما قدره لك القهار، وتذكر قول الله: (( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ))[طه:132].

والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً