الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

انطوائية الزوج وسوء خلقه بعد التقاعد عن الوظيفة.

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

زوجي تقاعد منذ قرابة العام، وحتى الآن لم يتكيف مع الوضع الجديد، كثيراً ما أنصحه بإشغال نفسه بأخذ دورات تطويرية، ولكنه دائماً يرفض؛ خوفاً من نظرة المجتمع لأن وظيفته السابقة كانت مرموقة.

والمشكلة أن علاقاته الاجتماعية بدأت تتقلص؛ وذلك لعدم تواصله مع الناس، فهو يقضي معظم الوقت في المنزل أو المسجد أو السوبرماركت، والمشكلة بأن أطفالي الآن أصبحوا لا يحترمون قرارات والدهم؛ لأنه أصبح يفكر مثلهم! ويتدخل كثيراً في أتفه الأمور؛ حتى أنه يتشاجر أحياناً مع الخدم لأسباب سخيفة، وأطفالي أصبحوا يتحكمون في قرارت المنزل!

ولم تعد هناك أي خصوصية بيني وبينه، وهو ينتقدني دائماً. لقد تعبت! وأتمنى بأن تجدوا لي الحل في أقرب وقت! كيف أتعامل مع هذا الوضع؟ أفيدوني في أقرب فرصة، جزاكم الله خيراً.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم هلال حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:-

فنسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يصلح لك الزوج والأولاد.
فإن فترة التقاعد تصيب الكثيرين باليأس، مع أن العاقل ينبغي أن يمهد لهذه المرحلة، ويعلم أن الوظيفة المرموقة قد تكون نعمت المرضعة، ولكن بئست الفاطمة، ويتعظ بالذين جلسوا قبله على المواقع، وهذه سنة الحياة التي لو دامت لغيرنا لما وصلت لنا.

ويؤسفنا أن نقول: إن الفهم الخاطئ هو أن صاحب الوظيفة المرموقة يستحي من نظر الناس إليه، ويتألم لفقده لموقعه، وكأنه خلق ليكون في ذلك الموقع، كما أننا نتأسف أن يكون حكم الناس على الإنسان بقولهم " كم أنت؟ "، بدلاً عن: " من أنت"، وجاهل الناس من يرضى أن يحترم الناس وظيفته ولا يحترمونه، وأجهل منه من يجعل الوظيفة المرموقة وسيلة لظلم الناس، والتعالي عليهم، فيقطع أرحامه، ويسيء التعامل مع إخوانه، وفي هؤلاء يصدق قول الله: (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ))[محمد:22-23].

وقد أسعدني أن زوجك يقضي جزءاً من وقته في بيت الله، وهذا دليل على أن فيه خيراً، وأنه لم يكن من الأصناف التي ذكرناها، نحسبه ولا نزكي على الله أحداً، ولست أدري ما هي طبيعة الوظيفة التي كان يشغلها؟ ولكننا نحسب أن كثيراً من المتقاعدين يستثمرون خبراتهم الطويلة في فتح مكاتب استشارية في المجالات التي كانوا يعملون فيها، ويعرفون بين الناس بأنهم خبراء، واستشاريون ومعلمون، وهذه مسميات رفيعة ولها أوضاعها في المجتمع، فشجعوا هذا الرجل على اتخاذ مكتب يجلس فيه، ويشرف من خلاله على مشاريعه الخاصة، ويفيد الناس بتجاربه وخبراته، ويقوم بمساعدة المحتاجين، وتلاوة القرآن، ولا شك أن وجود الرجل في المنزل لفترات طويلة يسبب المشاكل، ومن هنا تتجلى عظمة الشريعة التي أرادت للرجل أن يخرج في كل يوم خمس مرات لصلاة الجماعة، ويخرج للعمل، ويشارك في الأنشطة العامة، ويسافر، ويجاهد، وهو بكل ذلك يجدد مشاعره، ويعود لمنزله بروح جديدة وبشوق.

أما بالنسبة لحفظ مكانته عند الأبناء فهذا دورك كأم، فعظمي في نفوسهم مكانته، وذكريهم بوجوب طاعته، واجتهدي في تفادي الأمور التي تغضبه، واعرفوا له مكانته، وكوني قدوة لأبنائك باحترامه.

ولعل من المفيد له شغله ببعض الأعمال كالمذاكرة مع العيال، وجلب الطلبات من المتاجر والأسواق، وقيامه ببعض الأعمال الطوعية النافعة للناس.

وإذا كان من الممكن الانتقال إلى منطقة أخرى فإن ذلك مفيد؛ لأنه سيفتح صفحة جديدة، ويؤسس علاقات جديدة، ولا يتمكن جيرانه من المقارنة بين حياته السابقة والحالية، وليس من المصلحة أن تظهري الانزعاج من تصرفاته، وعليك بالصبر فإن الوضع سوف يتحسن بحول الله وقوته.

ولا مانع من الاستفادة من خدمات إخوانه وإخوانك، وأخذ مشورتهم في هذا الأمر، ويفضل عدم إشعاره بذلك، ومن الضروري المحافظة على مكانته في القبيلة،
ولا يخفى عليك أن بقاءه في المسجد مفيد له ولكم، فإن المسجد بيت كل تقي، وعليك بكثرة الدعاء واللجوء إلى من يجلب الخير ويصرف السوء، واعلمي أن تقوى الله سبب لكل خير وإصلاح، وأن طاعة الله مفتاح النجاح.

والله الموفق.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً