الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نصائح لشاب يعاني جفوته لأبيه وعدم استطاعة بره.

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم

أنا شاب أحاول أن أتقرب من والدي لأبره ولكن لا أستطيع، فدائماً أتعامل معه بجفوة مع العلم أنه يحتاجني في هذا الوقت أكثر مما سبق، وكلما حاولت لا أستطيع وأشعر بحاجز بيني وبينه، هلا أفدتموني أفادكم الله.

وجزاكم الله خيراً.


الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل / أحمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

سؤالك -أخي محمد- يدل على أنك شخص مسلم يسعى لمرضاة الله تعالى، فأسأله تعالى أن يبارك فيك، وأن يكثر من أمثالك، وأن يعينك على بر والدك والإحسان إليه، وأن يذهب هذا الجفاء الذي تعاني منه في معاملتك لوالدك، وأن يجعلك من عباده الصالحين، وكما لا يخفي عليك - أخي محمد - أنه لا يوجد في الوجود أحد له عليك من الحق والفضل مثلما للوالدين، ولذلك يكون في حكم المستحيل أن تجد أحداً من الناس يستطيع أن يكافئ والديه أو أحدهما بحال من الأحوال، إلا أن يجدهما أو أحدهما يباع في أسواق العبيد فيشتريه بماله فيعتقه، هذه هي الحالة الوحيدة، والأم خاصة مهما قدمنا لها فلم ولن نكافئها ولا بزفرة من زفرات الوضع، ويروى أن رجلاً كان يطوف بأبيه وقد حمله على ظهره فقال لأحد الصحابة الكبار: هذا أبي حملته كما حملني، وغسلته كما غسلني، وأطعمته كما أطعمني، فهل أديت له حقه؟ فقال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنك تصنع ما تصنع وتتمنى له الموت، أما هو فقد صنع ما صنع لك وكان يتمنى لك الحياة.

ولذلك -أخي محمد- لا نجد حقاً مقروناً بحق الله الأعظم -وهو التوحيد- إلا حق الوالدين، وقطعاً هذا لا يخفى عليك، حيث يقول الحق -جل جلاله-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، [الإسراء:23]، وقال أيضاً -جل وعلا-: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، [لقمان:15] إلى غير ذلك من نصوص القرآن.

أما السنة ففيها العشرات من الأحاديث التي تحث على وجوب إكرامهما، والإحسان إليهما، والصبر عليهما وعلى أذاهما، وعدم نهرهما، أو التضجر منهما، فلا يصح أن يعلو صوتنا فوق صوتهما، أو أن نظهر تبرمنا وضيقنا من طلبهما، أو أن نسفه آراءهما حتى لو كانا غير متعلمين، ولا ينبغي لنا أن ننسى قوله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:24].

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (ما برّ أباه من أحد إليه الطرف عند بالغضب)، أي: من نظر إلى أبيه بشدة وهو غضبان.

معذرة أخي أحمد؛ لقد أكثرت معك الحديث مع علمي أن مثل هذه النصوص وأكثر منها لا يخفى عليك، ولكنها تذكرة المذكر، ولا يفوتني أيضاً أن أذكرك بحديث: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفوا تعف نساؤكم) فالمسألة دين وقصاص.

لذا أقول لك: عليك بما يلي:

1- الدعاء أن يشرح الله صدرك لإكرامهما وأن يعينك على برهما.

2- أن تكثر من الدعاء لوالدك قدر استطاعتك.

3- أن تدعو الله تعالى بإلحاح أن يرزقك محبة والدك، وأن يذهب عنك هذه الجفوة وتلك الحدة.

4- أن تقرأ أخي سير الصالحين وكيف كان برهم بآبائهم وإحسانهم إليهم.

5- أن تقرأ ما ورد في القرآن والسنة في شأنهما ومنزلتهما وفضل برهما والإحسان إليهما، وآثار وعقوبة العقوق ولو بكلمة.

سائلاً الله تعالى لك التوفيق في إكرامك لوالدك وإحسانك إليه فيعاملك أولادك كما تحب وتتمنى.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً