الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسواس القهري والخوف الشديد وتأثيرها على الشخص؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا سيدة في الخمسين من عمري، أعاني منذ فترة طويلة من مرض الوسواس القهري الذي عكر صفو حياتي واستقرارها، علماً بأنني في حياتي الاجتماعية سعيدة والحمد لله، لا ينقصني شيء، ولا توجد لدي أي مشكلة في هذه الحياة ولله الحمد على ذلك.

مشكلتي هي أنني أصبت منذ فترة بمرض وسواس، وصفه لي الدكتور النفسي بأنه وسواس قهري، وهو أنني أصبت بحالة خوف شديد وفزع من أشياء استجمعت عندما أخاف منها وتحدث لي منها اضطراب، وحرارة، وتشويش في الرأس، وتأتيني في أي وقت، وأحياناً أشعر بعدم استقرار في نفسي، وأشعر بالإحباط واليأس وعدم الأمل، والخوف من الموت، وهذه الأشياء تأتي في التفكير بالله سبحانه وتعالى بشكل مأذنة جامع، أو اسطوانة غاز، أو في مصحف القرآن الشريف.

وكذلك تأتيني كلمات قبيحة عن الله سبحانه وتعالى والقرآن الشريف، وبدون شعور أجد نفسي أفكر في هذه الأشياء؛ فتصيبني حرارة، وتشويش، واكتئاب حاد، علماً بأنني أقوم بصلواتي على أكمل وجه، وبالدعاء والتسبيح، والصلاة على رسول الله، وبقيام الليل، وصلاة النوافل، ولكن دون جدوى من ذلك!

وها أنا ذا أتناول أقراصاً للعلاج النفسي منذ ثلاث أو أربع سنوات، فأملي بالله أولاً وقبل كل شيء، وبعد ذلك أنت يا دكتور فأرجو أن ترسل لي بالعلاج حتى أتخلص من هذه الأمراض، ويمن الله علي سبحانه بالشفاء وجميع المسلمين. ويحفظك ويرعاك طبيباً للمسلمين.

ولكم مني جزيل الشكر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ هويدا حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالطبع، فالذي وصفتيه من أفكار متسلطة عليك، ما هي إلا نوع من الوساوس القهرية، والوساوس القهرية حقيقة هي أفكار متسلطة أو نوع من الطقوس أو الخيالات، أو الأفعال في بعض الأحيان تكون متسلطة على الإنسان، ويؤمن الإنسان بسخفها ولكنه لا يستطيع أن يتخلص منها، وهي كما ذكرت تسبب الكثير من الشعور بالإحباط والاكتئاب والقلق والتوتر الداخلي والشعور بالذنب.

أرجو أن أؤكد لك أيها الأخت الفاضلة، أن هذه الوساوس إن شاء الله سوف تزول ويمكن علاجها تماماً، وأنت الحمد لله حريصة في عباداتك، وهذا شيء نسأل الله تعالى أن يزيدك إن شاء الله ويثبتك على ذلك.

وأرجو أن أؤكد لك أن الوساوس هي حقيقة ليست ضعفا في الشخصية، كما أنها ليست قلة في الإيمان مطلقاً، بل على العكس تماماً، هي دائماً تأتي لأصحاب الضمائر اليقظة، والذين يحتفظون بقيم اجتماعية عالية، وهي تكثر في مجتمعاتنا الإسلامية، وفي بعض الأحيان في وسط المتدينين، فأرجو أن تطمئني لذلك تماماً.

العلاج بالنسبة للوساوس يتمثل في جزئين أساسيين وهما: العلاج السلوكي والعلاج الدوائي، حقيقة في مثل حالتك أفضل أن تبدئي بالعلاج الدوائي، ثم بعد ذلك يقرن بالعلاج السلوكي.

أنتِ ذكرتِ أنك تتناولين بعض الأدوية، ولكن حقيقة لم تذكري اسمها، على العموم أفضل علاجين للوساوس هما العقار الذي يعرف باسم بروزاك، والعقار الذي يعرف باسم فافرين، ونحن في بعض الحالات نوصي بأن يتناول الإنسان أحد هذين العقارين، ولكن في حالتك أود أن تتناولي البروزاك ومعه الفافرين، والجرعة هي كالآتي أيتها الأخت الفاضلة:

ابدئي بكبسولة من البروزاك في الصباح، وقوة الكبسولة هي 20 مليجرام، إذن كبسولة واحدة من البروزاك في الصباح، وتتناولين في نفس الوقت 50 مليجرام من الفافرين ليلاً بعد الأكل، وبعد أسبوعين من بداية العلاج ترفع جرعة الفافرين إلى 100 مليجرام، وبعد أسبوعين آخرين ترفع الجرعة إلى 200 مليجرام، إذن تكون الجرعة التي تتناولينها هي كبسولة واحدة من البروزاك و200 مليجرام من الفافرين.

أرجو أن تستمري على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم بعد ذلك ارفعي البروزاك إلى كبسولتين في اليوم، واستمري على ذلك لمدة ثلاثة أشهر أخرى، وفي هذه الحالة تكون الجرعة هي كبسولتين من البروزاك في الصباح، و200 مليجرام من الفافرين ليلاً، وبعد انقضاء هذه المدة – وهي ستة أشهر على العلاج – ابدئي بتخفيض البروزك إلى كبسولة واحدة، واستمري على هذه الجرعة – أي كبسولة واحدة من البروزاك و200 مليجرام من الفافرين - لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك خفِّضي الفافرين إلى 100 مليجرام، وتستمرين على كبسولة واحدة من البروزاك و100 مليجرام من الفافرين لمدة عام كامل.

أرجو أن تستمري على هذه الجرعة لأنها هي الجرعة الوقائية، وبعد انقضاء العام توقفي عن البروزاك واستمري على الفافرين لمدة ستة أشهر أخرى، بعدها يمكنك أن تتوقفي عنها.

أنا على ثقة كاملة بإذن الله تعالى، أنه بعد بداية العلاج بشهر أو شهرين، سوف تشعرين بتحسن كبير، ومع بداية العلاج الدوائي لابد أن تبدئي العلاج السلوكي وهو يتمثل في الآتي:
أولاً: لابد أن تحقري هذه الأفكار وألا تعطيها قيمة مطلقاً، وتقولي مع نفسك: هذه أفكار حقيرة، هذه أفكار وسواسية لا حقيقة لها.

ثانياً: عليك أن تقومي بالتفكير في هذه الأفكار، وفي أثناء التفكير فيها قومي بعمل مخالف، على سبيل المثال: بأن تضربي يديك بقوة على جسم صلب حتى يأتيك إحساس بألم شديد، والهدف هنا هو أن تقرني الفكرة الوسواسية مع إحساس مخالف، وفي هذه الحالة هو الألم، وهذا يؤدي إلى ما يعرف بـ "فك الارتباط الشرطي"، وسوف تجدين أن الوساوس ابتدأت تقل وتضعف بصورة واضحة، هذا التمرين يتطلب أن يكرر عدة مرات.

الطريقة الثالثة هي: أن تأتي بالفكرة الوسواسية، أو حين تأتيك الفكرة الوسواسية، عليك أن تستجلبي لتفكيرك الفكرة المضادة لها، أي فكرة وسواسية توجد هنالك فكرة مضادة تقابلها، فكري بعمق في الفكرة المضادة، وأرجو أن تحاولي أن تثبتي هذه الفكرة المضادة، حتى يتم استبدال الفكرة الوسواسية بالفكرة المضادة، هذه التمارين تمارين مثبتة علمياً، ولكنها تتطلب الصبر والالتزام والتكرار، ولابد أن يكون لديك القناعة، ولابد أن يكون لديك إرادة التغيير.

أرجو أن تلتزمي بالعلاج الدوائي بصورة مطلقة، وكذلك هذه التمارين، وصدقيني أنك بإذن الله تعالى سوف تجدين أن الوساوس قد انتهت وانقرضت بصورة تامة.

كما أرجو أن أؤكد لك أن الاكتئاب والإحباط والشعور بالقلق والذنب، ما هي إلا مشاعر ثانوية، سوف تنتهي بصورة كاملة إن شاء الله؛ خاصة أن الأدوية التي وصفتها لك وهي البروزاك والفافرين، هي في الأصل أدوية مضادة للاكتئاب كما أنها مضادة للوساوس القهرية والقلق المصاحب.

أسأل الله لك الشفاء، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • العراق ريام

    بارك الله فيكم

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً