الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السفر لإكمال الدراسة أم البقاء لحاجة الوالدين

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب حاصل على درجة الماجستير في تقنية المعلومات، وأعمل في إحدى الجامعات بشكل مؤقت، اضطرتني الظروف الخاصة بتثبيت وضعي الوظيفي للبحث عن إكمال دراستي العليا والحصول على شهادة الدكتوراه.

وبتوفيق من الله وبعد الاجتهاد تمكنت والحمد لله من الحصول على قبول، ومنحة لدراسة الدكتوراه في إحدى الجامعات الأمريكية، ولكن المشكلة هي أنني الابن الوحيد الذكر لأبي وأمي، يوجد لدي أخوات، وكوني الابن الوحيد، يجعل من السفر وفراق الأهل لي وفراقي لهم غاية في الصعوبة.

عندما طرحت موضوع سفري أمامهم أحزنهم ذلك جداً، وخصوصاً والدتي التي تحبني جداً، وأشعر بعدم رغبتهم في سفري، وفي نفس الوقت أخبرني والدي الذي لا يرغب في فراقي بأنه لا يستطيع أن يقرر بدلا مني في أمر مستقبلي، وأن يأمرني بعدم السفر، فهو لا يرغب في سفري، ولكنه لا يريد إلزامي بعدم السفر.

أما والدتي فقد طلبت منها - مع أني أعلم شعورها ورغبتها - أن تأمرني بالبقاء، وعدم السفر، إن رغبت في ذلك، وأنا سأطيعها، ولكنها امتنعت عن فعل ذلك أيضاً، وذلك خوفاً من أن يؤثر قرارها بشكل سلبي على حياتي.

وقد قمت بالاستخارة عشرات المرات، وكنت أرتاح أحياناً للسفر بعدها، وأحياناً أخرى لا أرتاح! وكنت أرى بعض دلائل التيسير لهذا الأمر، مثل الحصول على القبول والمنحة، وأحياناً تصعب أمور أخرى، مثل بعض إجراءات السفر، ولا زال الحال كما هو، وأنا مستمر في الاستخارة منذ ما يقارب السنة.

علماً بأني لا أريد إغضاب والدي، وخائف من أن لا يرضيا عني، فماذا أفعل؟ أفيدوني أفادكم الله في هذا الأمر الذي قد يغير مسار حياتي.

وبارك الله فيكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحباً بك أيها الأخ الحبيب في استشارات إسلام ويب، ونحن نشكر لك حرصك على برك بوالديك والإحسان إليهما، وهذا يدل على كمال إيمانك ورجاحة عقلك، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لك كل عسير، وأن يغنيك بحلاله عن حرامه.

أما مسألة السفر لتحسين وضعك في هذه الحالة التي أنت فيها، فالأمر يرجع فيه إلى معرفة المصالح والمفاسد المترتبة، وأنت أدرى بوضعك المادي منا، لكننا نتكلم عن الجانب الشرعي.

فالجانب الشرعي أولاً: لا إثم في السفر عليك إذا قررت السفر ما دام الوالدان لا يمانعان من سفرك، وكنتَ بحاجة إلى هذا السفر، والسفر مأمون، فقد قرر العلماء أنه يجوز للولد السفر للتجارة ونحوها من الأسفار المأمونة، ولو لم يأذن له الوالدان.

وأنت ينبغي لك أن تقارن بين الحاجة إلى السفر وبين البقاء مع الوالدين، فإن كنت فعلاً محتاجاً للسفر لأخذ الشهادة ولا تتمكن من أخذها إلا بالسفر، وكانت الحاجة داعية إلى ذلك بحيث لا تجد عملاً يكفيك المدخول منه لحاجتك وحاجة من تُنفق عليه، ففي هذه الحالة نحن ننصحك بأن تسعى في تحسين وضعك ولا حرج إن شاء الله عليك من الناحية الشرعية، ما دمت تأمن على دينك في السفر إلى هذه البلاد، وذلك بأن تتمكن من إقامة الشعائر الدينية كالصلاة.

كما أن الوالدين يمكن أن يذهب عنهم الحزن بعد سفرك، بشرط مداومة الاتصال بهم وتوفير حاجاتهم ورغباتهم واعتناء الأخوات بهما، كل هذا إن شاء الله سيخفف ما يجدانه من فقدك، وما هي إلا أشهر أو سنوات ثم تنقضي الحاجة وتعود للعيش معهم، إن شاء الله.

أما إذا كنت تجد عملاً يكفيك دخله فلا ننصحك بالسفر ما دام ذلك يُحزن الوالدين، وسيجعل الله عز وجل لك خلفاً وعِوضاً عما فاتك، ولعل الله عز وجل يفتح عليك من الأبواب ما هو خير لك من ذلك، فإن بر الوالدين شأنه عظيم وثوابه جزيل، والله عز وجل وعد بأن من ترك شيئاً لله عوضه الله عز وجل خيراً منه، فإذا كنت لا تحتاج لهذا السفر وحاجتك مقضية مع البقاء مع الوالدين فالبقاء معهما أولى وأفضل، وسييسر الله عز وجل لك من الأمور ما لم تحتسب.

أما إذا كانت الحاجة داعية كما أسلفنا فنرى أن الأفضل أن تسافر، حتى تحقق هذه المصلحة المرجوة، وشأن الفراق دائماً مُحزن سواء كان الوالدان أو غيرهما، لكن هذا الحزن يزول عن قريب إن شاء الله سبحانه وتعالى.

هذه مشورتنا، وأنت ينبغي لك أن تقارن بين المصالح المترتبة على السفر والمفاسد الناشئة عن عدم التوجه إليه، ثم تستخير الله تعالى، وتعزم على ما أنت عليه، فإن يسره الله فذلك هو الخير، وإن لم ييسره فذلك هو الذي اختاره الله عز وجل لك.

نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ييسر لك كل عسير، وأن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.

وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً