الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كثرة التفكير دون مبرر مع الوساوس القهرية المتعلقة بالدين والإيمان

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أشتكي من كثرة التفكير في المواقف التي حدثت لي، وأيضاً في كثرة التفكير في الكلام الذي أتحدثه بعد قوله، وحتى بعد وضع حد فاصل في التفكير في موضوع معين أرجع للتفكير فيه مرة أخرى.

أيضاً قد يأتي على تفكيري كلام يجعلني أكفر ـ والعياذ بالله ـ بدون قصد مني، فيأتي هذا التفكير مرة واحدة، وأنا أفكر في موضوع آخر، فهذا يجعلني مشتت التفكير وأعصابي مشدودة طوال الوقت.

فهل هذا وسواس أم مرض آخر؟ وإذا كان وسواساً فكيف أتخلص منه؟ وأرجو معرفة أنواع الوسواس وتعريفه؟

وجزاكم الله خيراً، وجعله في ميزان حسناتكم إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ وليد السيد حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن كثرة التفكير والاسترسال في التفكير ليس أمراً مرفوضاً بالكلية، فالعلم والعلماء ما تطوروا إلا من خلال التفكير وتحليل المعلومة والاستنباط منها، فالإنسان يجب أن يفكر، لكن الأفكار يجب أن توجه أيضاً من خلال إرادتنا، وإذا خرجت هذه الأفكار عن المسار الصحيح وعن المسار المعقول فيوجب أن نوقفها فوراً.

أود أن أضيف إلى ذلك أن بعض الناس قد تسيطر عليهم حالات من القلق تجعل تفكيرهم متشتت وغير مترابط، لذا يأتيهم الشعور بأنه لديهم كثرة في التفكير، هي ليست كثرة في التفكير، إنما هو تشتيت لأفكارهم، يجعلهم يستغرقون وقتاً طويلاً في فكرة معينة قد لا تستحق هذه الفكرة كل هذا الوقت، أو يعطوا هذه الفكرة أبعاداً ومعان مختلفة تخرج عن سياق الفكرة الرئيسية.

عموماً حالة التفكير هذه التي لديك هي مرتبطة بالقلق النفسي، والجزئية التي ذكرتها حول الكفر لا شك أنها فكرة وسواسية.

الوساوس القهرية تسيطر على الإنسان كثيراً، وقد تأتيه أفكار سخيفة جدّاً عن الذات الإلهية، وأنا أؤكد لك أيها الفاضل الكريم: هذه أيضاً جزء من القلق، وإن شاء الله تعالى أنت من المسلمين ومن المؤمنين، ونسأل الله تعالى أن تكون من الصالحين.

الوساوس تنشأ من بيئة الناس ومن فكرهم، لذا نجد أن الوساوس ذات الطابع الديني كثيرة جدّاً في مجتمعاتنا، وقد أراحنا كثيراً ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم في معناه أنه أتاه جماعة من الأصحاب يقولون أنه يأتينا إلى أنفسنا ما لا نستطيع أن نقوله – وذلك بالطبع من شدة سخفه وألمه على النفس – فقال صلى الله عليه وسلم في معناه (ذلك صريح الإيمان).

فيا أخي الكريم: بالرغم مما تسببه لك هذه الأفكار من إزعاج، ولكنها جزء من الوساوس القهرية وليست أكثر من ذلك، فحالتك هي حالة قلقية تجسد فيها القلق الوسواسي بصورة واضحة.

الوساوس لها عدة تعريفات، ومن الناحية النفسية العلمية يمكن أن نقول أن الوساوس القهرية هي فكرة أو اجترارات، ونعني بذلك أن الفكرة تأتي مرات ومرات ومرات، وتستحوذ على كيان الإنسان وتشغله كثيراً، أو يمكن أن تكون نوعاً من الطقوس النمطية، أي أن يتبع الإنسان أفعالاً معينة ويكررها، وهي ليست ذات معنى كبير أو ليست ذات جدوى.

والوساوس أيضاً قد تكون مخاوف، أن يخاف الإنسان من شيء معين بدون مبرر، مثلاً كان لديَّ أحد الإخوة الذين حضروا إليَّ من أجل الاسترشاد والمساعدة: كانت تأتيه فكرة أنه إذا سار بسيارته في طريق معين سوف يقتل طفلاً، وقد سبب له هذا خوفاً شديداً.

الوساوس قد تكون نوعاً من تكرار الأعداد، فتجد بعض الناس يكررون أعداداً معينة أو يتبعون طريقة فيها شيء من الرتابة لتنفيذ أعمال معينة، أو ربما تكون صورة ذهنية تتولد في رأس الإنسان صورة ذهنية معينة، وهذه الصورة الذهنية تكون أيضاً ليست ذات معنى كبير.

الوساوس -أخي الكريم- من أهم خصائصها أنها تكون قهرية، بمعنى أنها متسلطة مستحوذة على فكر الإنسان يحس بإلحاح الفكرة أو الفعل الذي لابد أن يقوم به ولابد أن يكرره، وفي نفس الوقت يكون الإنسان لديه قناعات قوية أن هذه الوساوس هي من صنع فكره وليست مفروضة عليه من قوة خارجية، وهذا أمر مهم؛ لأن مرضى الفصام مثلاً تأتيهم أفكار تشبه الأفكار الوسواسية ولكن لديهم اعتقاد جازم أن هذه الأفكار ليست ملكاً لهم، ليست من صنعهم ليست تحت إرادتهم، إنما هي مسلطة عليهم من خلال أُناس أو قوة أخرى.

إذن يؤمن الإنسان بسخف الوساوس، ويحاول أن يقاومها، ويحاول أن يطردها، ولكن ذلك يسبب له الكثير من القلق ومن التوتر.

هذا تعريف بسيط للوسواس القهري، والوسواس القهري لا يعتبر مرضاً عقلياً بحال من الأحوال، يُشخّص كأحد أمراض القلق وإن كان هناك توجه الآن في أن يوضع كمجموعة تشخيصية لوحدها، وإن شاء الله في العام القادم سوف تكون هناك النسخة الجديدة من التعريف الإحصائي الأمريكي للأمراض النفسية، وفي أغلب الظن أن الوساوس سوف تأخذ حيز مختلف تماماً كحالة تشخيصية.

فالوساوس هي مكتسبة ومتعلمة، وإن كان هناك بعض الناس لديهم الميول لهذه الوساوس.

توجد أيضاً ما يعرف بالشخصية الوسواسية، وهذا ليس مرضاً، فتجد بعض الناس ينتهجون منهج الدقة، الاهتمام بالنظافة، الحفاظ على المواعيد، تجدهم جيدين جدّاً في المسائل الحسابية، هؤلاء إذا كانت وساوسهم لدرجة بسيطة، أي الوساوس المرتبطة بشخصياتهم فهذا أمراً إيجابياً، أما إذا كانت شديدة ومعيقة للشخصية فهذه قد تكون مشكلة أيها الفاضل الكريم.

بالنسبة لحالتك وعلاجك: أولاً: تفهم أن هذه الحالة حالة قلقية وسواسية وليس أكثر من ذلك. معرفتك للتشخيص ذو قيمة كبيرة وسوف يساعدك.

ثانياً: حاول أن تحقر فكرة الوساوس خاصة في موضوع الأفكار عن الذات الإلهية. قل لنفسك: (هذه فكرة حقيرة، هذه فكرة لن أعريها أي اهتمام).

ثالثُا: اربط هذه الفكرة أيضاً بنوع من المنفرات ومن أفضل المنفرات هو أن توقع الألم على نفسك، فمثلاً فكر في هذه الفكرة وقم في نفس الوقت بالضرب على يدك بقوة وشدة على جسم صلب، التزاوج ما بين الفكرة الوسواسية والألم سوف يُضعف الفكرة الوسواسية، والتمرين بالطبع يحتاج إلى تركيز وأن يؤخذ بجدية وأن يكرر عشر إلى خمسة عشر مرة صباحاً ومساءً لمدة أسبوعين أو ثلاثة.

بقي أن أقول لك أيها الفاضل الكريم: أنك في حاجة إلى علاج دوائي، وبفضل الله تعالى توجد أدوية ممتازة وفاعلة جدّاً لعلاج هذا القلق والإكثار في التفكير، وكذلك لعلاج الوساوس. من أفضل الأدوية التي لديكم في مصر هو عقار يعرف تجارياً باسم (فلوزاك Flozac) والذي يعرف علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine) أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، استمر عليها لمدة شهر، بعد ذلك ارفعها إلى كبسولتين في اليوم واستمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر أيضاً، ثم توقف عن تناول الدواء، وهذا الدواء سوف يفيدك إن شاء الله كثيراً.

أخي الكريم: عليك أيضاً بتنظيم وقتك وأن تشغل نفسك في المفيد، ولا تترك للفراغ أي مجال؛ لأن الفراغ أيضاً قد يشغل الإنسان في هذه الأفكار ويجعله يسترسل فيها مما يسبب المزيد من القلق؛ لأن القلق يولّد القلق.

أنصحك أيضاً بممارسة الرياضة وكذلك تمارين الاسترخاء، وللتعلم على تمارين الاسترخاء يمكنك أن تتصفح أحد المواقع على الإنترنت وتطبق التعليمات التي إن شاء الله سوف تكون مفيدة لك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على تواصلك مع إسلام ويب.


مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • فاتنة

    جزاك الله خيرا

  • السودان مدثر موسى

    انا ايضاعندي نفس هذه المشكله لكني لا افكر كما قال الاخ الكريم بل اني افكر في السببيه والمسببيه.
    ودائما اضع (لماذا) اول تفكيري والحمد لله ليس لي الا المنفعه من ذلك التفكير الكثير.
    وهذا يعني ان التفكير الايجابي له الفائده وشكرا.

  • السودان احمد عادل

    شكرا لهذه المعلومات الثره

  • المملكة المتحدة طالب علم

    اللهم صلى على محمد

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً