الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ارتباط أعراض الرهاب ببعض المواقف الخاصة، وما هي كيفية التعامل معها؟

السؤال

مشكلتي أنني غير جريئة، وهادئة جداً، وهذا يسبب لي المشاكل في الجامعة، فعندما لا أفهم شيئاً أثناء المحاضرة وأريد أن أستفسر عنه وبمجرد التفكير في أن أسأل الدكتورة يدق قلبي، لدرجة أني أحس أن من حولي يسمعونه، وهذا يؤثر على مستوى الدراسة لدي، حتى عندما طلب مني نشاط، وذلك بشرح عرض تقديمي لم أقم به؛ لأنه ليس لدي الجرأة والثقة في الوقوف أمام الطالبات والدكتورة، والتحدث أمامهم بكل طلاقة كالبقية.

ليس هذا فقط أثناء المحاضرات، فعندما أركب الحافلة كل من في الحافلة يتحدثون ويقولون رأيهم إلا أنا أظل ساكتة وكأنني لست موجودة، وبمجرد التفكير في التحدث ترجف يدي، وأعرق، ويدق قلبي بشدة، مشكلتي باختصار: لا أحب التحدث أمام مجموعات، حتى عند أهلي أيضاً.

أرشدوني إلى حل مشكلتي، فقد عانيت كثيراً، ونفسيتي لا تتحمل أكثر من ذلك، ولست الوحيدة التي أعاني من هذه المشكلة، بل لدي أخوات أيضاً لديهم نفس مشكلتي، فهن غير اجتماعيات مطلقاً.

وشكراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن مشكلتك بسيطة -إن شاء الله- وهي شائعة جدّاً، باختصار أنت تعانين من درجة بسيطة مما يُعرف بالخوف أو الرهاب الاجتماعي الظرفي، بمعنى أنه مرتبط بوضع معين وتحت ظروف معينة، وهذا يُعتبر من الحالات البسيطة جدّاً، وهذا بالطبع لا يعني أنني أقلل من درجة الإزعاج التي يسببها لك، فأنا أستشعر ذلك جيداً، وأرجو أن تطمئني أننا لن نختزل مشكلتك أبداً.

الخوف الاجتماعي هو نوع من القلق النفسي، ولا يُعرف أسبابه بالضبط، ولكن هنالك عوامل ربما تساهم في حدوثه، ومنها شخصية الإنسان إن كانت تميل للقلق، فالإنسان من هذه الشاكلة يكون أكثر عرضة، كما أن الأشخاص الذين يميلون إلى الكتمان والخوف من الحرج أمام الآخرين، ربما يكون أيضاً لديهم القابلية أكثر من غيرهم، وهنالك دراسات كثيرة تشير إلى أن الخوف والرهاب الاجتماعي هو سلوك متعلم، ينتج عن تجربة سلبية تعرض لها الإنسان دون أن يشعر بها، أو ربما يكون قد شعر بها ويستذكرها، ولكنه تجاهلها في وقتها، مثل أن يتعرض الإنسان لموقف فيه شيء من التخويف وافتقاد الاطمئنان.

إذن هو سلوك مكتسب في معظمه، والأمر المكتسب يُمكن أن يُفقد وذلك بالتعليم المضاد، وعليه -أيتها الفاضلة الكريمة- فخطوات العلاج هي:

أولاً: أن تفهمي أن الحالة بسيطة، وهي نوع من القلق النفسي المكتسب.

ثانياً: هذه الحالة لا تدل أبداً على ضعف شخصيتك أو على قلة إيمانك، بل على العكس تماماً.

ثالثاً: الأعراض التي تحدث لك من تسارع في ضربات القلب هي المكونات الفسيولوجية الناتجة من القلق؛ حيث إن القلب يتسارع نتيجة لتأثره بإفراز مادة تسمى الأدرنالين، وهذه عملية فسيولوجية طبيعية جدّاً.

رابعاً: ما تشعرين به من أعراض كالشعور بالتلعثم، أو الخوف، أو تسارع ضربات القلب، أو الشعور بأنك سوف تفتقدين القدرة على التحكم في الموقف، أو أنك سوف تكونين مصدر سخرية للآخرين، هو شعور غير حقيقي، وهنالك مبالغة كبيرة جدًّ، وأنا أؤكد لك أنك لست تحت مراقبة أو رصد الآخرين.

خامساً: تحقير فكرة الخوف هي من صميم العلاج، وعدم تجنب مواقع الخوف أيضاً مهم جدّاً.

سادساً: أريدك أن تقومي ببعض التمارين السلوكية، والتي نسميها بالتعرض في الخيال، والتمرين بسيط جدّاً لكنه مهم ويتطلب التركيز، وأن نأخذه بجدية، اجلسي في مكانٍ هادئ، وتصوري أنك أمام مجموعة كبيرة من الدكاترة والمسؤولين، وقد طلب منك أن تقدمي عرضاً لموضوعٍ معين، تصوري هذا المشهد، وعيشي كل تفاصيله، وهذا نوع من التعريض لشيء قد يسبب لك الخوف، والإنسان حين يستمر في هذا التعريض سوف يبدأ الخوف إن شاء الله في الانخفاض.

تصوري نفسك أيضاً في موقع آخر، فمثلاً طلب منك الطالبات أن تقومي بإعطائهنَّ درساً إرشادياً في موضوع إسلامي معين، أو قد طلب منك أن تصلي بمجموعة الفتيات التي معك، وهكذا، اعرضي نفسك لمثل هذه المواقف في الخيال، وهذا -إن شاء الله- ينقل للواقع بأن تعرضي نفسك للمواقف التي تحسين فيها بالخوف ولا تتجنبيها.

سابعاً: تدربي على تمارين الاسترخاء، وهذه التمارين مفيدة جدّاً، وأود أن أشير هنا أنه سيكون من الجيد إذا تواصلت مع أخصائية نفسية لتقوم بتدريبك على هذه التمارين، وإذا لم يكن ذلك سهلاً فعليك أن تتحصلي على كتيب أو شريط، أو تتصفحي أحد المواقع على الإنترنت للتدرب على كيفية تمارين الاسترخاء.

ثامناً وأخيراً -وهذه ربما تكون بشرى لك-: توجد أدوية ممتازة وفعالة، وغير إدمانية، وغير تعودية، ولا تؤثر على الهرمونات النسوية، وتُعالج الخوف والرهاب الاجتماعي بصورة ممتازة، والدواء الذي نفضله في حالتك: هو العقار الذي يُعرف باسم (زيروكسات) واسمه العلمي هو (باروكستين) أرجو أن تبدئي في تناوله بجرعة نصف حبة -أي عشرة مليجرام- تناوليها يومياً بعد الأكل، يفضل تناوله ليلاً، وبعد عشرة أيام ارفعي الجرعة إلى حبة كاملة، واستمري عليها لمدة ستة أشهر، بعد ذلك خفضيها إلى نصف حبة يومياً لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوماً بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقفي عن تناولها.

هذه الجرعة تُعتبر جرعة بسيطة جدّاً؛ حيث إن الزيروكسات يمكن تناوله حتى أربع حبات في اليوم، ولكنك لست في حاجة لمثل هذه الجرعة -إن شاء الله تعالى-.

هنالك دواء أيضاً يُعتبر من الأدوية الجيدة، وهو دواء مساعد، ويتحكم في الأعراض الفسيولوجية، مثل تسارع ضربات القلب، يُعرف باسم (إندرال) أرجو أن تتناوليه بجرعة عشرة مليجرام صباحاً ومساءً لمدة شهر، ثم اجعليها عشرة مليجرام صباحاً لمدة شهر آخر، ثم توقفي عن تناوله.

هذه هي الطرق العلاجية المفيدة، والتي أسأل الله تعالى أن ينفعك بها، وأرجو أن تكوني إيجابية في تفكيرك، وأن تديري وقتك بصورة صحيحة، وأن تتواصلي اجتماعياً، فهذا -إن شاء الله فيه- خير كثير لك، وعليك بالدعاء لنفسك ولنا.

ولمزيد من الفائدة يمكنك مراجعة هذه الاستشارات: (269653 - 277592 - 259326 - 264538 - 262637)

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونسأل الله لك الشفاء والعافية، والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً