الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وساوس قهرية متدرجة من العبادات إلى العقائد

السؤال

أُعاني منذ مراهقتي من وساوس عديدة، بدأت بالصلاة، ثم جاءني وسواس في الوضوء، وأصبحت أشك في طهارتي، وأظل أغتسل لساعات، ثم انتقل في الصوم، حتى صرت أشك في قبول صومي، وهل أنا في رمضان كل يوم!؟ وأعلم أن هذه الأفكار سخيفة، لكن عقلي يتحكم بي.

بدأت أفكار تسلطية تأتيني مثلاً عندما ينتابني القلق، ويقول رأسي سأصوم عدداً من الأيام إن حصلت أشياء سخيفة، وأشك هل تفوهت بما دار في عقلي مع أني لا أريده، ثم زاد من سيئ إلى أسوأ، وأصبحت أخاف على ديني من أفكار شيطانية وبشعة منها:

- التفكير في أفكار سيئة تجاه الخالق.

- الشك بالوقوع بالكفر، بسبب أفعال تصدر مني أحياناً بعد التفكير بتلك الأفكار، وأشك أني فعلت ما يفعله النصارى عند رؤية الصليب، فأظل أتحاور مع نفسي هل فعلت ذلك؟! فأنطق الشهادتين، ووصل بي الأمر إلى الاغتسال لتجديد إسلامي، وترجع الأفكار حتى وأنا أغتسل، فأظل ساعات أردد الشهادتين وأصب علي الماء.

- في بعض الأحيان أشك حتى في كلامي .

- أفكار في سب الخالق.

- بعدما قرأت عن أناس تأتيهم أفكار شرك أصبحت تأتيني أسوأ، وعند الصلاة أشعر بأني سأركع لشخص ما والعياذ بالله.

هذه الأفكار تأتيني في كل حركة وفي كل لحظة وكل دقيقة، فأستعيذ بالله وأقول آمنت بالله وبرسله، وتذهب لدقيقة ثم تعود أسوأ.

كما تأتيني أفكار مثلاً إن لم أفعل كذا (شيء سخيف) مرات عديدة فأنا خارج الدين، وعندما أفكر في شيء أحبه تأتيني الأفكار الكفرية، فأبدأ بمعاتبة نفسي، لحظات شبابي تضيع في شر الأشياء، ولا أحد يساعدني، فما الحل؟

جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن هذه وساوس قهرية ولا شك في ذلك، وهي وساوس متدرجة، تبدأ بموضوع معين في الدين ثم تنتقل إلى موضوع آخر وهكذا، والوساوس من هذا النوع لا شك أنها مزعجة ومستحوذة ومؤلمة للنفس، ولكنها ربما تكون دليل خير بإذن الله تعالى، ودليلاً على صدق الإيمان.

العلاج يتمثل في الآتي:

1) وجود هذه الوساوس ليس دليلاً أبداً -إن شاء الله تعالى- على ضعف شخصيتك أو ضعف إيمانك، بل العكس تماماً، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم (ذلك صريح الإيمان).

2) الوساوس القهرية يمكن علاجها.

3) الوساوس القهرية تتطلب أن نتفهمها، وأن نرفضها، ونحقرها، ونتجاهلها، وأن نستبدلها بفكرٍ مخالف، وهذا يزيد من القلق ويزيد من التوتر حين يشرع الإنسان فيه كوسيلة علاجية، ولكن بالاستمرار في المقاومة والتحقير والاستبدال بفكر مضاد، بعد ذلك تخف حدة القلق حتى ينتهي تماماً، ويجد الإنسان نفسه أنه فعلاً قد تخلص من وساوسه.

4) هنالك تمارين سلوكية معينة، أهمها تمرين إيقاف الأفكار، فحين تأتي الفكرة الوسواسية أو مجرد التأمل والتفكر فيها قولي لنفسك وبقوة (قف قف) هنا تكون المخاطبة موجهة للفكرة الوسواسية.

ومن العلاجات السلوكية الجيدة أيضاً أن يربط الوسواس مع منفر، ومن أفضل المنفرات الإحساس بالألم، هذا تمرين بسيط لكنه جيد، ولتطبيقه أرجو أن تتفكري في الفكرة الوسواسية، وفي نفس الوقت قومي بالضرب على يدك على جسم صلب بشدة وقوة حتى تشعرين بالألم؛ والهدف هو أن يحدث تزاوج وانسجام وانصهار كامل وتلاقي بين الفكرة الوسواسية والألم، وبتكرار هذا التمرين عشر مرات في الصباح وعشر مرات في المساء وجد أنه بعد أسبوع إلى أسبوعين سوف تضعف الفكرة الوسواسية، وذلك من خلال ما يعرف بفك الارتباط الشرطي.

5) العلاج المهم والأساسي هو العلاج الدوائي، وهذا أيتها الفاضلة الكريمة يمثل الآن نعمة عظيمة في حياتنا، فتوجد الآن أدوية فعالة وقوية وسليمة، وتعالج الوساوس القهرية بصورة ممتازة جدّاً، أريد أن أصف لك أحد هذه الأدوية الأساسية، ومعه دواء مساند، وأرجو أن تتحصلي عليها وتبدئي في تناولها، ولابد أن يكون هنالك التزام تام بالجرعة وبمدة العلاج.

الدواء الذي أود أن أصفه لك يسمى تجارياً باسم (بروزاك) ويسمى علمياً باسم (فلوكستين) ابدئي في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم بعد الأكل، واستمري عليها لمدة شهر، بعد ذلك ارفعيها إلى كبسولتين في اليوم، ويمكن تناولها كجرعة واحدة، واستمري على هذه الجرعة لمدة شهر، ثم ارفعي الجرعة إلى ثلاث كبسولات في اليوم، واجعليها كبسولة واحدة في الصباح وكبسولتين في المساء، واستمري على هذه الجرعة لمدة أربعة أشهر، بعد ذلك خفضيها إلى كبسولتين في اليوم لمدة أربعة أشهر أخرى، ثم إلى كبسولة واحدة في اليوم لمدة ستة أشهر، ثم توقفي عن تناول الدواء.

هذا هو الدواء الأساسي والرئيسي، وبجانبه يوجد دواء يُعرف تجارياً باسم (رزبريادون) ويعرف تجارياً باسم (رزبريادال) أرجو أن تتناوليه بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة أربعة أشهر، ثم توقفي عن تناوله.

أيتها الفاضلة الكريمة: العلة في تناول الأدوية نشأت من أنه اتضح أن الوساوس القهرية تلعب التغيرات الكيميائية التي تحدث في بعض مواد الدماغ دوراً أساسياً في تسببها أو في استمرارها على الأقل، لذا وجدت الأدوية التي تصحح هذه المسارات الكيميائية، ويتميز العلاج الدوائي بأنه يسهل تماماً العلاج السلوكي الذي يقوم على تفهم الوساوس وتجاهلها ورفضها، وعمل ما هو ضدها وتحقيرها وربطها مع منفر.

أرجو أن تعيشي حياتك بصورة عادية، وأن تستغلي وقتك فيما هو مفيد، ولا تدعي فراغاً للوساوس.

أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق، ولا تترددي أبداً في تناول الدواء واتباع ما ذكرناه لك من إرشاد، فهذا إن شاء الله تعالى سوف يكون لك فيه خير كثير، وعليك دائماً أن تستعيذي بالله العلي العظيم من الشيطان الرجيم.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكر لك التواصل مع إسلام ويب.

==============
وللفائدة أكثر يمكنك مراجعة هذه الاستشارات عن:

علاج الوساوس القهرية في الصلاة والطهارة سلوكياً 262925 - 262925 - 261359 - 262267

علاج وساوس العقيدة سلوكياً 263422 - 259593 - 260447 - 265121.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية فارس الحربي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بالنسبه للحاله التي تعيشها فأنا ؤالله أسوء منك وتاتيني مثل أفكارك وكل ما حاولت إيقافها أجد نفسي عاجزا والعياذ بالله واحس ؤالله العظيم أني عابش كالبهيمة من دون عقل واني ؤالله بري من الشرك ؤلا استطيع التحكم بنفسي في أغلب الأوقات

  • أمريكا ahmed

    مرض الوسواس من أخطر الأمراض النفسية فعلا و يسبب لصاحبه كثير من التعب و لكن أفضل طريقة لعلاجه هى عدم الإستسلام للأفكار و الصبر و الإستعانة بالله

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً